كتاب التوكل على الله ذي الجلال والرد على المشبهة الضلال
  عليهما واضطره إليهما، وإذا كان بزعمهم يجوز عليه الانتقال، ويلم به اللبث والزوال، فهو ثلاثة مجموعة، متغايرة مصنوعة، أولها الجسم الساكن المقيم، الذي هو عندهم واحد قديم، والثاني سكونه المقرر إليه، والثالث انتقاله المضطر إليه، وهذه ثلاثة من صنع الله جلا جلاله، وعظمت نعمه وإفضاله، فليعلم الجهلة الضالون، العمات المتجبرون، أن معبودهم غير الواحد الرحمن، وأنهم في الشرك بالله كعبّاد الأوثان.
  ومما يدل على خروجهم من الإسلام وأن معبودهم كغيره(١) من الأصنام أنهم زعموا أنه يهبط إلى السماوات، وأنه بزعمهم يوصف بالآلات، والأدوات والحواس المدركات، وإذا كان يهبط ويتدلى، وينحدر من العلو سفلا، ويقطع بحركته الهواء، ويخرق ما عَبَرَ من الأجواء، فالهواء اكبر منه، وأحق منه بالسعة والأولى؛ لأن الهواء قد حواه، وتضمنه وغاياه، وأوضح حدوده وناهاه، وأحاط به وآواه، وستر أسفله وأعلاه، وإذا كان الهواء اكبر منه، وستر جميع الأبصار عنه، فهو أصغر من محله وموضعه، وأقل من مهبطه ومطلعه، وإذا كان هو ومحله على ذلك، وكانا في الصفة عندهم كذلك، فهما إذاً مختلفان، وبالتغاير والتفاضل موصوفان، فإذا اختلفا فلا بد لهما من صانع خالف بينهما، ودل بذلك على حدوثهما؛ لأن الأهوية والسماوات إذا حوته، وأحاطت به وتضمنته، فقد زادت عليه وفَضَلته، وإذا زادت عليه فقد صح نقصانه وصغره، والله مُصَغرُهُ وفاطره، وخالقه ومقدره.
  وكذلك إذا اختلفت جوارحه، وتغايرت أدواته ومصالحه، فذلك دليل
(١) وفي نسخة حُجيرة بدل لفظه كغيره.