مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

[الحكمة في تأخير الله للآخرة وتقديمه للدنيا]

صفحة 358 - الجزء 1

  إلى خلقه؟

  والجواب في ذلك: أنه لو خاطبهم بنفسه وخلق خطايا أو أنزل عليهم كتاباً لذهبت هيبته من قلوبهم، ولكان ذهاب الهيبة أعظم لعذابهم ونكالهم عنده وعطبهم، ولكان ذلك أسوى لأدبهم.

  وايضا فإن اكثرهم ليس بمستاهل للخطاب ولا هو من أهل الفضل والآداب، ولا ينبغي للحكيم أن يساوي بينهم وبين موسى في سبب من الأسباب.

  وأيضاً فإنه لو خاطبهم لأمكنهم أن يقولوا ليس هذا الخطاب من رب العالمين، ولأمكنهم أن يضيفوه إلى الشياطين.

[الحكمة في تأخير الله للآخرة وتقديمه للدنيا]

  وسالت يا أخي تولى الله رشدك، وهداك وسددك، فقلت: ما معنى تأخير الله للآخرة وتقديمه للدنيا، وما منعه أن يبتدي عباده بالفضل والنعماء؟

  واعلم يا أخي أن مولانا أحكم الحكماء، ولو ابتدأهم بالأخرة قبل ضدها لكانوا جاهلين لفضلها، ولن يعرف أبداً فضل الفاضل حتى يعرف نقصان المفضول، وذلك أوضح عند جميع أهل العقول، مع ما في الدنيا من العجائب والسرور بالسلامة من المصائب، وفضل المعرفة والتجارب، لأن من أشرف على الهلاك ثم سلم منه كان أعظم سروراً وأجل حبوراً ممن هو عاقل، وقصد الخيرات والسلامة جاهل، ولو أراد الله ø أن يوجد جميع الأشياء في ساعة لفعل، ولكنه ذو أناة لا يعجل، وإنما دل عباده على الأناة