مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

[الحكمة في تكرار الآيات]

صفحة 371 - الجزء 1

  وأكثر تثبيته من الكتاب وترديده، وأحكم على العباد حججه وتوكيده.

  فهذا - وأيم الله - أدل الدلائل على فضله ورحمته، وأوكد لبيانه وأعظم لحجته، والرحيم الشفيق، ربما قال لحبيبه الله الله ثم الله الله في الحذر والاحتراس، فلا يكون في ذلك عيب عند أحد من الناس، بل التوكيد عندهم والتحذير حسن جميل وخلق من أخلاق الحكماء نبيلٌ، ومن سأل من الملحدين الكفرة الجاحدين.

  فقال: أليس قد زعمتم أن الكتاب يؤكد بعضه بعضاً وقد وجدناه في بعض الأمور متناقضاً مثل قوله في الأنصار حين أثروا على أنفسهم وأنزلوا الخصاصة بهم وبعيالهم: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٩}⁣[الحشر: ٩]، وذم في كتابه الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ثم رجع يأمر نبيه بالبخل، وقد نهى عنه فقال: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ٢٦ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ٢٧}⁣[الإسراء: ٢٦ - ٢٧] ثم قال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}⁣[النساء: ٥] ثم وصف عباده الصالحين بصفات من لا مروة له من التاجرين فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ٦٧}⁣[الفرقان: ٦٧].

  فدل بهذا القول على تجارتهم ثم قال رسوله الذي أرسل إلى عباده «إني لعنت الإمام يتجر في رعيته»⁣(⁣١)، فمرة يمدح التبذير ويقول: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٣٨}⁣[الروم: ٣٨] ومرة يقول: إنهم إخوان الشياطين، ومرة يمدح التاجرين، ومرة يلعنهم.


(١) أخرجه اللإمام زيد بن علي في المجموع الحديثي: ص ١٧٨ رقم (٣٢٢).