مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

[الحكمة في الفقر والغني]

صفحة 379 - الجزء 1

  وأي حكمة ومصلحة ما أبينها وهل في المواعظ مثل ما عنت، وأي نعمة تتم إلا بما كرهت، فالحمد لله الذي حجزنا عن النار بالموت والسقم، وزهدنا عن القبائح بأنواع الألم، ومنعنا من المكاره بالتفريق والعدم، فهاتيك عندنا من اكبر المواعظ والنعم، أليس قد هلك أكثرهم مع قصر الأعمار، وكثرة المصائب والموت والبوار، فكيف لو تركهم وأكثر في الإنظار، إذاً لأكل بعضهم بعضا، ولما أدَّى أحد من العباد كلهم فرضا، ولخلت أنه لا يوجد أحد لله مطيعا، ولخشيت أن يهلك العباد كلهم جميعا، لا ينكر ما قلنا به من ذلك عاقل، ولا يكابر فيه إن أنصف جاهل.

[الحكمة في الفقر والغني]

  فإن قال: فكيف أفقر الله اكثر خلقه، ولم يعطهم الكفاية من رزقه؟

  قيل له ولا قوة إلا بالله: كم شبعة كانت سبباً للقتل والعطب، وسُلماً إلى القبائح والفضائح والطرب، وكم جوعة كانت سبباً إلى العقل والأدب، وسفينة نجاة من المهالك والريب، والله يخلق ما يشاء ويختار لعباده، وهو الناظر في مصالح بلاده، وفي ذلك من أسرار الحكمة ما لا يحصى، والأدب لكل من آمن وعصى، والجوع ربما ذكر تعب العذاب، وأنذر ذوي الألباب، من كرب العقاب؛ لأنه إذا ألم من الجوع والضرَّاء فهو من العذاب أشد ألماً، وأقل صبراً، وهل يكون من الآلام أقل من القملة وأحقر، وهل شيء من المضار أضعف منها وأصغر، ففي ضعف الإنسان عن قرصتها فكرة لمن تفكر، وفي جزعه منها عبرة لمن اعتبر، فيا ويح جسم يعجز عن القملة، كيف يصبر على النار، ومحل الظلمة الفجرة الأشرار.