مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

[ألم الأطفال]

صفحة 381 - الجزء 1

  حتى نال من طيب الحياة ونعيمها، أكثر من مرضه في الطفولية وأيامها، وإن كان هذا الطفل قد عقل وفهم وميز العافية والسقم، فإنما أراد الله سبحانه أن يعلمه فضل عافية الأخرة على عذابها، ويزهده في الدنيا بأمراضها وأوصابها؛ لأن السقم يدعو إلى ذكر الموت والعذاب، ويحذر ذوي الألباب، ولقد ابتلاني الله في تلك الحال بأمراض وحوادث الآلام والمحن والأعراض، فنظرت إلى الدنيا بعين المقت والقِلى، وفهمت ما أراد الله تبارك وتعالى مع ثوابه في الآخرة والأولى، ثم أولانا من نعمه وطول عافيته أكثر مما رأينا من أدبه ومحنته.

  فالحمد لله الذي هدانا بأنواع الهدى، وصرفنا بحكمته عن الضلالة والردي، فكم في الدنيا من مصيبة هائلة، وكم فيها من فجيعة نازلة، وكم نائم لم يبلغ الصباح، ومصبح أودي قبل أوان الرواح، فكيف يرقد عين لبيب لم يعرف محله وهو ينظر في تلك النومة أجله.

  فوالذي أنا في يده ما نمت مذ عقلت نومة حتى أناقش نفسي وأتذكر ما اجترحت في يومي وأمسي؛ لأن النائم ربما حيل بينه وبين انتباهه كما يحال بين اليقظان وبين منامه، وهذه الأصول يكتفى بها في صنع الله الجليل عن الإكثار والمباعدة والتطويل، بل يكتفى من ذلك بأقل القليل.

  وأما تحسين الله لبعض البهائم وتقبيحه لبعضها ففي ذلك عجب عجيب من أمرها. وذلك أنه أنعم على بعضها بالكمال وأكرمها ورحمها بالجمال، فصارت في هذه الدنيا مكرمة بسبب كمالها، وأنعم عليها أربابها لجمالها، وهي في أنفسها نعمة لأهلها، وما كان من البهائم قبيحاً مشيهاً وكان مهيناً معيباً دنيّاً، فذلك ممتحن بدناءته وضعفه ليثيبه الله في الآخرة بلطفه، ويرفعه بذلك