[ابتلاء الله لأوليائه]
  شفاه حتى يبرأ من علته الهائلة، التي لا تُرى ولا يدري بها أهل الشك والامتراء، وكم عليل في أعداء الله لم ينفع فيه العلاج، ولم يستقم للمثقف منه الاعوجاج.
  فإن قال: فهلا داوى وليه بدواء سهل يستر دون العمى، فقد زعمتم أنه أحكم الحكماء؟
  فالجواب في ذلك: أنه لا ينفع فيه دواء غير ما عنيت، ولا يبرئه من التلف غير ما ذكرت، والحكيم إذا علم شرين اختار أسهلهما وأسلمهما وأهونهما على وليه، فلما علم الحكيم سبحانه وعز عن كل شأن شأنه أن وليه لا يسلم من هلاك نفسه أو من هلاك بعضه اختار هلاك بعضه؛ لأنه أمثل من هلاك جملته كله، وجعل ذلك سبباً لنجاته، ودواء كريهاً لذهاب عِلته، وسلماً إلى سلامته وحياته، فإذا كنت لله ولياً وكنت حبيباً إليه مرضياً، ونزل بك بعض ما ذكرنا من الآفات، فذلك سبب لنجاتك من المهلكات، والحكيم ربما قطع العضو لسلامة البدن جميعاً، وربما اختار على الموت دواء فظيعاً.
  ودليل آخر: أن هذا الذي عتبت على الله محنة من أرحم الراحمين، جعلها للفرق بين أهل العتب على الله والمادحين، ليثبت على ذلك أولياؤه الصالحين.
  ودليل آخر: أن الله ملأ الدنيا محنا، وجعلها دار محنة وعناء، ووعدهم فيها بأنواع المصائب والفناء، وأراهم كل حسن منها يؤول إلى القبيح والدنا، وكل طيب منها يعود مُنتِنا، ليزهدوا فيها جميعاً كل الزهد، ويبعدوها من خواطرهم أشد البعد، فأي حسن منها لا يرجع قبيحاً، وأي عزيز منها لا يؤول طريحا،