باب تفسير الحلم والرحمة
  القبيح، وإطلاقه وقلة عجلته وقلقه وصبره على الغيظ وحرقه، وإنما اشتق العقل من عقال الإبل وحفظها وهو الرباط في كلام العرب ولفظها، والعقل فهو على وجهين مختلفين ومعنيين غير مؤتلفين، فعقل أصيل ركبه الله للمكلفين وفطر عليه جميع المتعبدين، وعقل هو من فعل المخلوقين وهو الإنتفاع بما ركب الله من عقولهم والاستعمال له في كل أشيائهم، فمن صرفه فيما أمر الله به فقد عقل، ومن لم يصرفه في ذلك فلم يعقل، فمتى ينفع العقل إذا أهمل، وكيف لا ينفع إذا استعمل، وإنما مثل العقل للنفس الطامحة إلى الشهوات كمثل العقال للسائمة عن وخيم النبات، فمتى أهملت النفس من العقل هلكت، كما إن أهملت السائمة من العقال عطبت، والنفس أعظم إتلافاً لصاحبها من العدو الجاهد في عطبها، فنسأل الله أن ينفعنا بما وهب لنا من عقولنا، وأن يعيننا على جهاد أنفسنا.
  وأما الرحمة من الله: فهي النعمة التي أنعمها على العباد والرزق الذي بسطه في جميع البلاد.
  وأما الرحمة التي هي من صفات الآدميين: فهي رقة القلوب للمرحومين، وذلك فتعالى عنه أرحم الراحمين؛ لأن الرحمة خاطر يخطر على القلوب، ويتعالي عنه علام الغيوب، وكذلك يقول إن الرضا من الله هو الثواب، والسخط هو الهوان والعقاب، وأما في المخلوقين فعرضان لمجالهما شاغلان.
  وأما اللطف: فهو محدث؛ لأنه لو كان لطيفاً لم يزل لكان الملطوف معه في الأزل، واللطف يخرج على وجهين:
  فوجه هو الرفق في الأمور والرحمة والأناءة، والفضل والحكمة.