باب تفسير الإرادة والمشيئة
  لكان جاهلاً، ولو خلا من القدرة لكان عاجزاً، ولو خلا من الحياة لكان ميتاً، والإرادة والمشيئة فإن خلا منهما لم يلحق به نقص في حدثهما، وما يدل على فساد قول من قال بقدم الإرادة أنه لو كان مريداً لكان الخلق معه قديماً وهذا متناقض عند ذوي الألباب؛ لأن الفاعل أبداً قبل فعله في جميع الأسباب، وفي كون المريد قبل مراده دليل على حدوث إرادته وإيجاده.
  وأيضاً فإن الإرادة على وجوه مختلفة، وأسباب غير مؤتلفة، وكلها فبين معروف، وبالحدوث قبل القدم موصوف.
  [١] فإرادة نهي وأمر.
  [٢] وإرادة حتم وجبر.
  فأما إرادة الأمر والنهي فهي إيصالهما إلى العباد وأمره بالفعل والإيجاد، وأما إرادته للسماوات والأرضين وتكوينه لجميع المخلوقين، وجبره للأجسام المحدثين، وخلقه لأرزاق المرزوقين، والآمر قبل أمره والجابر أبداً قبل جبره، والأمر والنهي على وجهين محدثين ومكونين بعد العدم موجودين، والأجسام فمحدثة مصنوعة ومفرقة بإذن الله ومجموعة، لا يمتنع من قبول ذلك عاقل ولا يشك فيه إن أنصف جاهل، ولا تكون الإرادة أبداً قبل مراده، فيكون كإرادة عباده، ولا يكون فعله قبل إرادته فيكون فعله بغير مشيئته، ولو فعل ذلك كان كالغافل الناسي من بريته؛ لأن من فعل فعلاً بغير قصد ولا اعتماد ففعاله خطأ وغفلة وفساد، والله يتعالى عن صفة العباد وإنما إرادة الله قصده وقصده فعله، وفعله عمده، وعمده إيجاده، وإيجاده إرادته، وإرادته مراده.