مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

كتاب التوفيق والتسديد والآادب

صفحة 430 - الجزء 1

  العزيمة ما ألقي من أجله في الجحيم فنجاه [الله]⁣(⁣١) برحمته من كيد الكائدين، وكذلك يجزى الله المحسنين، وأمره الله وامتحنه، وابتلاه ومحَّصه واختبره بالعزيمة على ذبح ولده، ولم يرد الله غيرعزيمته، ولكنه لم يدر # بقصد الله وإرادته، فقام # بولده ومهجة قلبه، وثمرة فؤاده ونفسه، ليفري أوداجه ذبحاً، طاعة لله ومسارعةً ونصحاً، مع ما هو عليه من شفقته، وكرم طباعه ورحمته، وحسن أخلاقه ومروءته، فما منعه ذلك من طرح ولده على وجه الأرض وصرعه، وعزيمته على تلفه وقطعه، وتركه يخر جبين ولده على حضيض التراب ووضعه، فلما رأى الله منه ما رأى، وإذ لا شك عنده في طاعة الله ولا امتراء، أظهر من أمره وفضله ما كان مستوراً، وحينئذٍ أمره⁣(⁣٢) بأن لا يذبح ولده، بعد ما أظهر سبحانه بهذه المحنة صبره وجَلَدَه، ولم يعلم ~(⁣٣) بإرادة الله فيما أوحى إليه.

  وكذلك فعل بقومه وأبيه، بعد احتجاجه ولطفه وتأنيه، واستغفاره لوالده خوفاً من أن يكون من الضالين، ورجا ألا يكون من المتعمدين، احتياطاً منه لطلب الأمان، وخوفاً من العذاب والنيران، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ١١٤}⁣[التوبة: ١١٤]. والأواه فهو المتأوه الحزين، والتأوه في ذاته فهوالأنين، والزفير والأحزان والحنين، لما داخل قلبه من خالص اليقين، ولما عرف من الحق المبين، فلما امتلأ قلبه نوراً، وصار بذكر الله ومعرفته معموراً، حزن على نفسه عند ذلك من ذكر الموت والعذاب، وأقبل على الدين والحق والصواب، ونقَّى قلبه وطهَّره من اللعب، وسلا عن التصابي والجهل والطرب.


(١) ما بين المعكوفين ساقط في (ج).

(٢) في (ج): أمره حينئذٍ.

(٣) في (ج): صلى الله عليه.