[الإنسان بين عقله وجوارحه]
  [وسأبين لك إن شاء الله ما سألت عنه من الأرواح، وأوضح ذلك بأبين الايضاح؛ لأن الله سبحانه لم يوجد شيئاً من الأشياء إلا ليستدل به عليه ويتوصل بدلائله إليه، والرؤيا أكرمك الله فهي](١) من الله وحده لاشريك له؛ لأن الرؤيا إنما تكون عند خروج الأنفس مع الأرواح، وخروج الأنفس من القلوب، فلا يتم إلا لعلام الغيوب.
  والروح فهو خلق لطيف حجب الله فهمه، ولا سبيل إلى علم ما أخفى الله علمه، وإلى فأين من يفهم كيفية خروجه، ورجوعه في البدن وولوجه، وكيف خرجت الأنفس والعقول معه من الأجساد؟ وأين مخرجه من أجساد العباد؟ وكيف لا يعقل الروح نفسه عند هجوم المنام؟ (وكيف يرجى ويترك في جميع الأنام؟ حتى لا يعقل في أكثر الليالي والأيام)(٢)؟! وما جعل الله سبحانه من حياة الأرواح وكمالها، وتوصيل جوارحها واعتدالها، فلا تتم إلا بلطف مدبرها وجاعلها، ومفتطرها (وصانعها ومقتدرها)(٣) وفاعلها، لما فيها من صنعه وتدبيره، وبيان حكمته وتصويره.
  وأما الرؤيا التي يراها المخلوقون، ويفهمها المؤمنون والكافرون: فهي إخبار من الله، وكرامة للصالحين، وحجة على الظلمة الفاسقين؛ لأن إعلامه لهم بالحوادث قبل كونها دليل على علم المخبِر بها؛ ولأولياء الله وأصفيائه من عجائب الرؤيا ما ليس لأعدائه، وذلك خاصة منه لهم، وإجابة لدعواتهم عند سؤالهم.
(١) ما بين المعكوفين ساقط في (ج).
(٢) زيادة من (ج).
(٣) ساقط في (ج).