مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

[الدليل على أن الحكمة لا تكون إلا من حكيم]

صفحة 501 - الجزء 1

[الدليل على أن الحكمة لا تكون إلا من حكيم]

  فإن سأل فقال: ما الدليل على أن هذه الحكمة التي ذكرتم من صانع حكيم، ومدبر خبير عليم، وما تنكرون أن هذه الحكمة من طبع قديم.

  فسنورد عليه من القول بياناً، ونوضح له إن شاء الله هدىً وبرهاناً، فاستمعوا لجواب قوله تهتدوا، وضمنوه قلوبكم ترشدوا، فنقول ولا قوة إلا بالله:

  الدليل على أن ذلك من الله سبحانه: أن خلق الإنسان حكمة، والحكمة صفة حكيم، وكذلك في الإنسان آثار العلم، لأن الحكمة لا تهيأ إلا بالعلم من الحكيم، والعلم صفة عليم، وكذلك نجد في الإنسان جميع ما يحتاج إليه من المصالح والإصلاح دليل على الرحمة، والرحمة صفة رحيم؛ فإذا كان في الإنسان آثار الحكمة والعلم والرحمة فهذه صفات الواحد الحي؛ لأن الطبع الميت لا يعي ولا يعقل ولا يحكم ولا يرحم، ففي أقل من هذا دليل على الله سبحانه، وعز عن كل شأن شأنه، وفي هذه الأحرف اليسيرة ما يقطع جميع الملحدين، ويدمغ بمن الله أقاويل الجاحدين، وفيهن ما كفى وأغنى أهل العقول عن التطويل، وعن ما لا يفهم من ترهات الأقاويل.

  وقد زعم غيرنا أنه لا يستدل على الله إلا بالأعراض والأحوال، وأتوا في ذلك بكثير من المقال، وقد يصح بعض ذلك من غير الطرق التي ذكروا، ويستنبط من غير ما أثروا، غير أني حسبت أن ذلك يدق على كثير من المتعلمين، ويطول لو شرحناه على المسترشدين، فلا تعتمدوا من الأقاويل على ما لا يفهم، ولا تخدعوا أنفسكم بما لا يعلم، فليس بحكيم من خدع نفسه بغير مقنع من الجواب، وشغل قلبه بما لا يفهم من الخطاب، ورضي من العلوم بغير الصواب.