كتاب المعجز الباهر في العدل والتوحيد لله العزيز القاهر
  فإن قال: وما أنكرت من أن يكون الساكن ساكناً إلى ما لا نهاية له؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: كلامك هذا محال باطل لا يقبله من الناس عاقل؛ لأن ما صحّ حدثه فهو كله محدث، ثم نقضت قولك بقولك: لا نهاية له؛ لأن الكل دليل على أنه لم يبق منه شيء حتى حدث بعد عدمه فبطل ما ادعيت من قدمه.
  ودليل آخر: أن العقل لا يقع إلا على الكل والبعض، والطول والعرض ولا يخلو الهواء من أحد ثلاثة أوجه:
  [١] إما أن يكون ساكناً كله.
  [٢] وإما أن يكون بعضه ساكناً وبعضه متحركاً.
  [٣] وإما أن يكون لا ساكناً ولا متحركاً.
  فإن قلت: إنه لا ساكن ولا متحرك، جحدته وأبطلت ما بالقدم وصفته، بل إن كنت من المشبهة فقد عبدته.
  وإن قلت: بعضه ساكن، وبعضه متحرك، فقد حددته وناهيته، وقسمته وجزأته، وأجملته وبعضته؛ لأنه إن كان على ما وصفت فهو على ضربين وجزئين موصوفين، متناهيين محدودين، وحالين مختلفين، متغايرين معروفين.
  فإن قلت: إنه ساكن كله، فقد أقررت - صاغراً - إذ وصفته بالسكون فحددته؛ إذ لم يبق منه السكون شيئاً حتى جرى عليه ولم يذر منه قليلاً ولا كثيراً حتى وصل إليه، فانظر أي القولين أولى بالحق.