باب الدلالة على حدث الأجسام
  بعد اجتهادنا، ونسأله أن يتفضل بذلك علينا، وأن يجعل آخر محنتنا في أعظم ما كلفنا وأزكي ما به أمرنا، وأن يجعل عند ذلك ذكره آخر كلامنا، واليقين به آخر اعتقادنا، والبذل لأجسادنا في سبيله، والغضب له آخر أعمالنا، ولقاه آخر آمالنا، وثوابه آخر سرورنا، وألم الموت آخر محنتنا، والأجداث أول راحتنا، والطاعة أكبر همنا والعداوة لأعدائه آخر حقدنا، والموالاة لأوليائه آخر ودّنا، وأن لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله [آخر كلامنا](١) وأن يجعلنا من رفاقة نبيه وأحبابه وجيرانه وأوليائه، وأن ينجينا من عذابه، وأن يوفقنا للتوبة فلا قوة لنا إلا به، فما هي إلا مدة سنسأل فيها عن النعم، إن لم نجتهد في الطلب غاية الاجتهاد، ونشمر قبل رحلتنا وطلب الزاد.
  فيا عجباً لمن شغل عما له خلق بالدنيا، وقد وعد بالموت والفناء، ووعد بعد ذلك بالثواب الجزيل إن عمل، أو بالعقاب الجليل إن غفل.
  ويا عجباً كيف آثر ما هو عنه زائل على ما هو أحد يوميه إليه راحل، ويا عجباً له كيف يطيل أمله وهو ينظر دون ذلك أجله، ويا عجباً له كيف يخرب آخرته الباقية بعمران دنياه الفانية، ويا عجباً له كيف يعمر دار غيره ويهدم داره، ويا عجباً له كيف يُحكِّم على عقله هواه، ويوثر على آخرته دنياه، ويا عجباً له كيف يشيّد محل رحلته ويترك محل إقامته، ويا عجباً له كيف يصلح مال غيره ويفسد ماله، ويا عجباً له كيف يجمع ما ينفع غيره ويترك ما ينفعه، ويا عجباً له كيف يجمع ما هو عنه هالك وما هو لغيره تارك.
(١) زيادة مني لا توجد في النسخ وأضفتها للتناسب ولعلها كذلك.