باب الدلالة على حدث الأجسام
[مزيد من الأدلة على نهاية المخلوقات]
  ودليل آخر على نهاية جميع المصنوعات من الأهوية والأرض والسماوات أنها لا تخلو من أحد وجهين:
  [١] أما أن يكون صانعها قد فرغ من صنعتها وقطعها.
  [٢] وأما أن تكون ناقصة بعد ما ابتدعها.
  فإن كان الصانع قد أتم صَنْعه وفرغ عن العالم وقطعه، فقد صح تناهيه لانقطاعه، وحدده الصانع بعد ابتداعه، وإن كان هذا العالم محتاجاً إلى التمام فناقصه ذو الجلال والإكرام، وما كان ناقصاً عن الكمال فهو مقطوع، وما كان له مُنْقَطع فهو مصنوع، والله محدثه وصانعه، ومحدده وقاطعه.
  فإن قال: وكيف تثبت الأرض على ثقلها بغير عمد يعمدها؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: قد قيل في ذلك: أنها تثبت من قبل الاعتدال، وهذا القول من أحول المحال لأنا نجد ما كان ثقيلاً لا يثبت بغير عمد وإن كان معتدلاً، وقيل أيضاً إنها على لجج من البحار، ويستحيل كون الأرض على الأنهار، لما طبعت الأرض عليه من الانحدار، وقلة اللبث والقرار.
  وقيل: إنها لم تزل تهوي بما عليها من أجل قوتها وثقلها وهذا فمن أضعف المقال وهو قول بعض الزنادقة الجهال، الكفرة الفجرة الضلال، أنها لم تزل تهوي بمن عليها، هذا مما لا يقول به أحد يعقل ولا يعي ولا يتكلم بهذا إلا من سلب عقله، وعظم موته وجهله، وحل هلاكه وخبله، لأنها لو كانت تحرك على عظمها وجلتها لهلك من على ظهرها، ولما فرق بين الحركة