كتاب المعجز الباهر في العدل والتوحيد لله العزيز القاهر
  وإن قلت إنه قطع أماكن لا نهاية لها فهذا محال؛ لأن قولك قطع أماكن يوجب نهاية الأماكن؛ لأن القطع جرى عليها، وإذا قطعت فقد تناهي قاطعها.
  ثم قولك لا نهاية نقض لإقرارك الأول، وهو قولك في القطع، وإذا صح تناهي الأماكن بقطع الجسم لها فقد صح - أيضأ - تناهي حركته وغايتها؛ إذ لا توجد الحركة إلا في المكان المقطوع.
  وإن رجعت إلى الحق، فقلت: بل قطع أماكن متناهية، علمت أنه إن شاء الله على ما وصفنا وأنه بأيقن اليقين على ما قلنا، ألا ترى أن الأرض والرياح إذا كانتا بزعمهم لم تزل حركتهما تقطع مكاناً بعد مكان لا يخلوان من المكان طرفة عين ولا أقل منها، وإذا كانتا غير خاليتين من المكان ولم توجد حركتهما إلا فيه لم يخلو من أن تكونا قطعتاه أو لم تقطعاه.
  فإن لم يجر عليه القطع منهما فقد عدمت حركتهما وصح سكونهما؛ لأن الأرض - بزعمهم - إذا هوت فلا بد أن تقطع بهويها ما عبرت، وإذا صح أنها لا توجد إلا في الأجواء، أو لا تقطع إلا ما أتت عليه من الهواء أو كانت حركتها لا توجد إلا في المقطوع عند سيرها، فقد صح تناهي المكان لقطعها له وصح نهايته، إذ لم تنفك من المكان المعبور، ولم توجد إلا بوجوده عند الهواء والمسير، وفي ذلك - والحمد لله - من الأدلة والبراهين أكثر مما ذكرنا من التبيين، فما طلبنا من ذلك شيئاً يسيراً إلا وجدنا - بمن الله - كثيراً.
  وإذا صح تناهي الأرض بالأدلة الواضحة فقد صح أيضاً أنها لم تثبت على ثقلها إلا بلطف مدبرها وخالقها ومصورها، وجاعلها، ومخترعها ومفتطرها وصانعها، والقول في السماء كالقول في الأرض عندنا، فنسأل الله أن يوفقنا وأن يغفر لنا ذنوبنا.