[التفكر في النفس]
  وتدبير من صانع حكيم، ثم جعل سبحانه للأطفال(١) بعد كبرهم معايش غير معايشهم في حال صغرهم، ليتم بذلك ما أراد من تعميرهم، فبسط لهم الكفاية من رزقه، بعد إكمال تصويره [وخلقه، وجعل في الأجساد مداخل للأغذية لعلمه بفاقتهم إليها، وجعل لهم مخارج لها إذ فطرهم عليها](٢).
  فلما نظرنا إلى عجيب ما صنع وافتطر، وبيَّن من حكمته وأظهر، صح عندنا بأيقن اليقين أن الحكمة لا تكون إلا من حكيم، لأن الحكمة لا تهيّأ إلا لعليم، لأن الجهل ليس معه نعمة، ولا يتم للطبائع التي ادعى الملحدون علم ولا حكمة، لأن الموات(٣) لا يكون حكيماً ولا سميعاً [ولا عليماً](٤) ولا يكون المصلح المنعم إلا رحيماً. فمن أنكر ذلك.
  قيل له ولا قوة إلا بالله: ما تقول؟ هل فيما ذكرنا حكمة تدل على الواحد الجليل؟
  فإن قال: ليس في ذلك حكمة خرج من المعقول، وبان كذبه لجميع أهل العقول، لأن جميع الحِكم تقصر عما ذكرنا، ولا تماثل حكمة مولانا وسيدنا، ولو جاز كون حكمة من غير حكيم، وعلم ورحمة من غير عليم، لجاز كون رسول من غير مرسل، [وأمر ونهي](٥) من غير ناهٍ ولا آمرٍ، ولو جاز ذلك لسُمع كلام من غير متكلم، ولَوُجد تعليم من غير معلم، وتفهيمٌ وبيان من غير مبين مفهم، ولو جاز ذلك لجاز أن يوجد ثواب وعقاب، من غير مثيب ولا معاقب!
(١) في (ب): لم يتضح.
(٢) ما بين المعكوفين ساقط في (ب).
(٣) في (ب): الأموات.
(٤) ما بين المعكوفين زيادة في (ب).
(٥) ما بين المعكوفين من (ب)، وأما المصفوف عليها المرموز لها بـ (أ) ففيها: وآمر وناهي.