ترجمة العلامة الراحل محمد محيي الدين عبد الحميد
  مسائل اللغة والأدب والتاريخ العربي ما سمح له بالإتقان، بل لا بدّ أن يكون قد وجد من والده منذ نشأته الأولى في القسم الابتدائي حثّا على الدأب في المذاكرة، ومواصلة التوجيه، وقوة التتبع حتى بلغ الطالب أشده واستوى على سوقه، وقد اعترف لوالده بواجب البر حين جعل إهداء الشرح لوالده، وحين قال في ذلك الإهداء:
  (سيدي الوالد:
  إلى نفسك الطاهرة، وحكمتك العالية، وأدبك الجم، وفضلك الغزير، أقدّم كتابي هذا. لقد ربيتني على الفضيلة، وحببت إليّ العمل، وزهدتني في الدعة والونى، وعند اللّه في ذلك جزاؤك، فليس بيدي شيء منه، ولا في استطاعتي أن أناله، ولو رقيت أسباب السماء، ولكني أتقدم إليك بكتابي هذا برهانا على أنك غرست فأثمرت، وبذرت فأنميت، ودليلا على أن غراسك سيزداد نموا بمر الأيام إلى أن يؤتي أكله مرتين بإذن اللّه) والحق أن الغراس قد آتى أكله مرات عدة، فإن ما أخرجه الأستاذ من الكتب العلمية تأليفا وتحقيقا ليعجز القرناء، حتى ليأتوا خلفه تابعين»(١).
  «تتلمذ الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد على جيل الرواد الإسلاميين الكبار الذين ازدانت بهم الحياة المصرية في أوائل القرن العشرين، وكانوا دعامة النهضة العربية والأدبية والوطنية في العالم العربي كافة، ومضى على تخرجه في الأزهر الشريف - يحمل شهادة العالمية أعلى شهاداته العلمية آنذاك - نحو نصف قرن من الزمان، وكان نجاحه بل تفوقه يومئذ مثار الدهشة، فقد جاء الأول على فحول أقرانه من العلماء»(٢).
  «واختير مدرسا بالجامع الأزهر، وظهر من دلائل فضله العلمي ما أعدّه بعد خمس سنوات فحسب، لأن يكون مدرسا بكلية اللغة العربية سنة ١٩٣١ م، إذ أصدر عدة أجزاء من شرح خزانة الأدب للبغدادي جاءت خالية من التحريف وحافلة بالضبط والتعليق، فأذاعت علمه كما أذاعه تلاميذه الذين نهلوا من حياضه وأساتذته من المفتشين الذين شهدوا بنبوغه وتحدثوا عنه مكبرين، وقد كان أصغر أعضاء هيئة التدريس بالكلية سنّا، ولكن مقامه العلمي دفعه إلى الصدارة، فاختير سنة ١٩٣٥ م للتدريس بتخصص المادة
(١) من كتاب «النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين» للدكتور إبراهيم رجب البيومي، عميد كلية اللغة العربية بالمنصورة.
(٢) من قرار جامعة الأزهر بترشيحه لنيل جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة ١٩٧١ م