شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[«أل» على ثلاثة أنواع: عهدية وجنسية، واستغراقية]

صفحة 135 - الجزء 1

[«أل» على ثلاثة أنواع: عهدية وجنسية، واستغراقية]

  وتلخيص الكلام [أن] في المسألة ثلاثة مذاهب؛ أحدها: أن المعرّف «أل» والألف أصل، والثاني: أن المعرّف «أل» والألف زائدة، الثالث: أن المعرف اللام وحدها، والاحتجاج لهذه المذاهب يستدعي تطويلا لا يليق بهذا الإملاء.

  وتنقسم «أل» المعرّفة إلى ثلاثة أقسام؛ وذلك أنها إما لتعريف العهد، أو لتعريف الجنس، أو للاستغراق.

  فأما التي لتعريف العهد فتنقسم قسمين، لأن العهد إما ذكريّ، وإما ذهنيّ، فالأول كقولك «اشتريت فرسا ثم بعت الفرس» أي: بعت الفرس المذكور، ولو قلت «ثم بعت فرسا» لكان غير الفرس الأول، قال اللّه تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}⁣(⁣١) والثاني كقولك «جاء القاضي» إذا كان بينك وبين مخاطبك عهد في قاض خاصّ.

  وأما التي لتعريف الجنس فكقولك: «الرّجل أفضل من المرأة» إذا لم نرد [به] رجلا بعينه ولا امرأة بعينها، وإنما أردت أن هذا الجنس من حيث هو أفضل من هذا الجنس من حيث هو، ولا يصح أن يراد بهذا أن كل واحد من الرجال أفضل من كل واحدة من النساء؛ لأن الواقع بخلافه، وكذلك [قولك] «أهلك النّاس الدّينار والدّرهم»، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}⁣(⁣٢)، وأل هذه هي التي يعبّر عنها بالجنسية، ويعبر عنها أيضا بالتي لبيان الماهية، وبالتي لبيان الحقيقة.

  وأما التي للاستغراق فعلى قسمين⁣(⁣٣)؛ لأن الاستغراق إما أن يكون باعتبار حقيقة


= الثالث: أنه يلزم عليه أيضا افتتاح حرف من حروف المعاني بهمزة وصل زائدة، وهذا ما لا نظير له.

الرابع: أن هذه الهمزة مفتوحة لزوما، وهذا ما لا نظير له في كلام العرب، انتهى مع إيضاح كثير.

(١) من الآية ٣٥ من سورة النور.

(٢) من الآية ٣٠ من سورة الأنبياء.

(٣) الفرق بين أل التي للاستغراق وأل التي لبيان الحقيقة أن أل التي للاستغراق يجوز الاستثناء من مدخولها، نحو قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ٤ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ٥ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ}، وأما أل التي لبيان الحقيقة فلا يجوز الاستثناء من مدخولها، والسر في ذلك أن أل التي لبيان الحقيقة ينظر في مدخولها إلى حقيقته وماهيته لا إلى الأفراد التي تطلق عليها، وأما الاستغراقية فينظر في مدخولها إلى الأفراد، والاستثناء إنما هو إخراج فرد من أفراد، فما لا دلالة له على الأفراد كيف يخرج منه فرد؟