شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[اختلاف العرب في باب «حذام»]

صفحة 34 - الجزء 1

  تقول: «جاءني زيد»، و «رأيت زيدا» و «مررت بزيد»، ألا ترى أن آخر «زيد» تغيّر بالضمة، والفتحة، والكسرة، بسبب ما دخل عليه من «جاءني»، و «رأيت»، والباء، فلو كان التغير في غير الآخر لم يكن إعرابا، كقولك في «فلس» إذا صغرته «فليس»، وإذا كسّرته⁣(⁣١) «أفلس، وفلوس»، وكذا لو كان التغير في الآخر، ولكنه ليس بسبب العوامل، كقولك: «جلست حيث جلس زيد»؛ فإنه يجوز أن تقول: «حيث» بالضم، و «حيث» بالفتح، و «حيث» بالكسر، إلا أن هذه الأوجه الثلاثة ليست بسبب العوامل، ألا ترى أن العامل واحد، وهو «جلس» وقد وجد معه التغير المذكور؟.

  * * *

[اختلاف العرب في باب «حذام»]

  ولما فرغت من ذكر المعرب ذكرت المبنيّ⁣(⁣٢)، وأنه «الذي يلزم طريقة واحدة، ولا يتغير آخره بسبب ما يدخل عليه»، ثم قسمته إلى أربعة أقسام: مبنيّ على الكسر، ومبنيّ على الفتح، ومبنيّ على الضم، ومبنيّ على السكون.

  ثم قسمت المبنيّ على الكسر إلى قسمين:

  (١) قسم متّفق عليه، وهو «هؤلاء» فإن جميع العرب يكسرون آخره في جميع الأحوال.

  (٢) وقسم مختلف فيه، وهو «حذام، وقطام»، ونحوهما من الأعلام المؤنّثة الآتية على وزن «فعال»، و «أمس» إذا أردت به اليوم الذي قبل يومك.

  فأما باب «حذام» ونحوه: فأهل الحجاز يبنونه على الكسر مطلقا⁣(⁣٣)؛ فيقولون:

  جاءتني حذام، ورأيت حذام، ومررت بحذام»، وعلى ذلك جاء قول الشاعر:


(١) كسرته: يعني جمعته جمع تكسير.

(٢) وأما البناء فمعناه لغة: وضع شيء على شيء على وجه يراد به الثبوت، ومعناه في اصطلاح النحاة «ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب: من حركة أو حرف أو سكون أو حذف، وليس حكاية أو اتباعا أو نقلا أو تخلصا من ساكنين».

(٣) يريد من الإطلاق هنا أن يقول: سواء أكان آخر الاسم الذي على هذه الزنة راء كالأمثلة التي ذكرها المؤلف (في ص ٣٦) ومثل «جعار» اسم للضبع، و «ظفار» اسم لبلدة، و «نوار» اسم لامرأة الفرزدق الشاعر، أم لم يكن آخره راء مثل «حذام، وقطام، ورقاش، وقطاف،» - أسماء نساء، ومثل «دراب» اسم بلد، ومثل «سجاح» اسم للكذابة التي ادعت النبوة، و «سكاب» اسم لفرس، وفيها يقول الشاعر:

أبيت اللّعن إنّ سكاب علق ... نفيس لا يعار ولا يباع