شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[بناؤه على الفتح ومواضعه]

صفحة 55 - الجزء 1

[بناؤه على الفتح ومواضعه]

  وأما بناؤه على الفتح فمشروط بأن تباشره نون التوكيد لفظا وتقديرا، نحو {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ}⁣(⁣١)، واحترزت بذكر المباشرة من نحو قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}⁣(⁣٢). {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ}⁣(⁣٣)، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً}⁣(⁣٤)؛ فإن الألف في الأول، والواو في الثاني، والياء في الثالث؛ فاصلة بين الفعل والنون، فهو معرب، لا مبنيّ⁣(⁣٥).

  وكذلك لو كان الفاصل بينهما مقدّرا كان الفعل أيضا معربا، وذلك كقوله تعالى:

  {وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ}⁣(⁣٦)، و {لَتَسْمَعُنَّ}⁣(⁣٧) مثله؛ غير أن نون الرّفع حذفت تخفيفا لتوالي الأمثال، ثم التقى ساكنان⁣(⁣٨) أصله قبل دخول الجازم «يصدّوننّك»: فلما دخل الجازم وهو «لا» الناهية - حذفت النون؛ فالتقى ساكنان: الواو، والنون، فحذفت الواو؛ لاعتلالها، ووجود دليل يدلّ عليها وهو الضمة، وقدّر الفعل معربا - وإن كانت النون مباشرة لآخره لفظا - لكونها منفصلة عنه تقديرا، وقد أشرت إلى ذلك كله ممثّلا⁣(⁣٩).


= وإنما كان بناؤه مع هذه النون على السكون لأن الأصل في البناء أن يكون على السكون.

ثم إذا دخل عليه والحالة هذه عامل نصب نحو «المقصرات في واجباتهن لن يفلحن» فهو مبني على السكون في محل نصب، وإن اتصل به عامل جزم نحو «إن لم تقمن بواجبكن فلا خير فيكن» فهو مبني على السكون في محل جزم.

(١) من الآية ٤ من سورة الهمزة.

(٢) من الآية ٨٩ من سورة يونس.

(٣) من الآية ١٨٦ من سورة آل عمران.

(٤) من الآية ٢٦ من سورة مريم.

(٥) ذكر قوم أن علة بناء الفعل المضارع المتصل بنون التوكيد لفظا وتقديرا هي أن الفعل ركب مع النون مثل تركيب خمسة عشر فأخذ حكم هذا المركب، والصواب أن علة البناء في هذه الحالة قصدهم إلى دفع الإلباس لأنه لو أعرب بالضمة قبل النون لالتبس المسند إلى الواحد المذكر بالمسند إلى الجمع، ولو جعل الإعراب على نفس النون لكان فيه جعل الإعراب على ما يشبه التنوين وهو مما لا يجوز.

(٦) من الآية ٨٧ من سورة القصص.

(٧) من الآية ١٨٦ من سورة آل عمران.

(٨) أي فحذفت واو الجماعة للتخلص من التقاء الساكنين، وإنما آثروا حذف الواو ولم يحذفوا النون لما ذكره المؤلف، وهو شيئان؛ أحدهما: أن الواو حرف معتل، والمعتل أولى بالحذف من الصحيح، وثانيهما: أن حذف الواو يبقى معه ما يدل على المحذوف، وهو الضمة التي من قبلها، فأما النون فلو أنها حذفت لم يبق في اللفظ ما يدل عليها، وإذا دار الأمر بين حذف ما يبقى في اللفظ دليل عليه وحذف ما لا يبقى في اللفظ دليل عليه رجحنا حذف ما يبقى في اللفظ دليل عليه.

(٩) ههنا شيئان أحب أن أنبهك إليهما، الأول: أن المؤلف لم يذكر في نون النسوة مثل ما ذكره في نون التوكيد أنها قد تكون مباشرة لفظا وتقديرا فيبنى الفعل، وقد تفصل من الفعل لفظا وتقديرا فيعرب؛ وذلك لأنه لا يفصل =