[قد توجد صورة التنازع ولا يكون منه، محافظة على المعنى]
[قد توجد صورة التنازع ولا يكون منه، محافظة على المعنى]
  وذلك لأن شرط هذا الباب أن يكون العاملان موجّهين إلى شيء واحد كما قدمنا، ولو وجّه هنا «كفاني» و «أطلب» إلى «قليل» فسد المعنى، لأن «لو» تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره، فإذا كان ما بعدها مثبتا كان منفيا، نحو: «لو جاءني أكرمته» وإذا كان منفيا كان مثبتا، نحو: «لو لم يسئ لم أعاقبه» وعلى هذا فقوله: «أن ما أسعى لأدنى معيشة» منفي، لكونه في نفسه مثبتا وقد دخل عليه حرف الامتناع، وكل شيء امتنع لعلة ثبت نقيضه، ونقيض السعي لأدنى معيشة عدم السّعي لأدنى معيشة، وقوله: «ولم أطلب» مثبت، لكونه منفيا بلم، وقد دخل عليه حرف الامتناع، فلو وجّه إلى «قليل» وجب فيه إثبات طلب القليل، وهو عين ما نفاه أولا، وإذا بطل ذلك تعين أن يكون مفعول «أطلب» محذوفا، وتقديره «ولم أطلب الملك» ومقتضى ذلك أنه طالب للملك، وهو المراد.
  فإن قيل: إنما يلزم فساد جعله من باب التنازع لعطفك لم أطلب على كفاني، ولو قدرته مستأنفا كان نفيا محضا غير داخل تحت حكم لو.
  قلت: إنما يجوز التنازع بشرط أن يكون بين العاملين ارتباط، وتقدير الاستئناف يزيل الارتباط(١).
= وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، وما المصدرية مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب اسم أن «لأدنى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أن، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع فاعل لفعل محذوف، وتقدير الكلام: لو ثبت كون سعيي لأدنى - إلخ؛ وأدنى مضاف و «معيشة» مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة «كفاني» فعل ماض، والنون للوقاية، والياء ضمير المتكلم مفعول به «ولم» الواو عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب «أطلب» فعل مضارع مجزوم بلم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «قليل» فاعل كفاني «من المال» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقليل.
الشاهد فيه: قوله: كفاني ولم أطلب قليل، فإنه قد تقدم عاملان، وهما قوله كفاني، وقوله أطلب، وتأخّر معمول، وهو قوله قليل، وذلك مما يتصور معه المبتدئون أنه من باب التنازع، ولكنه ليس منه؛ لأن من شرط التنازع صحة توجه كل واحد من العاملين إلى المعمول المتأخر مع بقاء المعنى صحيحا، والأمر ههنا ليس كذلك؛ وقد أوضحه الشارح العلامة إيضاحا بديعا كاملا؛ فلا حاجة إلى الإطالة في بيانه، واللّه سبحانه أعلى وأعلم.
(١) ومما يتصور المبتدئون أنه من باب التنازع مع أنه ليس منه قولك «ما قام وقعد إلا زيد» فإنك لو أضمرت في الأول لكان التقدير: ما قام هو (أي زيد) وما قعد إلا زيد، فيكون القيام منفيا عنه بالجملة الأولى والقعود ثابتا له على طريق الحصر بالجملة الثانية، ولا شك أن المعنى المقصود ليس هو ذلك، ولو أضمرت في الثاني انعكس، وليس مرادا أيضا.