[يطرد حذف الفاعل في أربعة مواضع]
  الثانية: أن يكون ضميرا متصلا، كقولك «الشّمس طلعت».
  وكان الظاهر أن يجوز في نحو: «ما قام إلا هند» الوجهان، ويترجح التأنيث، كما في قولك «حضر القاضي امرأة» ولكنهم أوجبوا فيه ترك التاء في النثر لأن ما بعد «إلا» ليس الفاعل في الحقيقة، وإنما هو بدل من فاعل مقدّر قبل إلا(١)، وذلك المقدر هو المستثنى منه، وهو مذكّر، فلذلك ذكّر العامل، والتقدير: ما قام أحد إلا هند.
[يطّرد حذف الفاعل في أربعة مواضع]
  وهذا أحد المواطن الأربعة التي يطّرد فيها حذف الفاعل، والثاني: فاعل المصدر كقوله تعالى: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ}(٢) تقديره: أو إطعامه يتيما، والثالث: في باب النيابة، نحو: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ}(٣) أصله - واللّه أعلم - وقضى اللّه الأمر، والرابع: فاعل أفعل في التعجب إذا دلّ عليه مقدّم مثله، كقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}(٤) أي: وأبصر بهم، فحذف «بهم» من الثاني لدلالة الأول عليه، وهو في موضع رفع على الفاعلية عند الجمهور(٥).
  * * *
(١) هذا البدل من نوع بدل البعض من الكل، ألا ترى أن هندا فرد مما يصلح له لفظ أحد، وأنت لو تدبرت لم تجد مع هند ضميرا يعود إلى أحد، كما أنك تجد أن «أحدا» قد انتفى عنه القيام، في حين أن القيام ثابت لهند، لأن ما بعد إلا يخالف ما قبلها في النفي والإثبات، ونحن نعلم أن بدل البعض من الكل يجب أن يضاف إلى ضمير يعود إلى المبدل منه، كما يجب أن يكون مثل المبدل منه في ثبوت الحكم أو نفيه؛ فيسأل هنا عن السر في مخالفة البدل في الأمرين، والجواب عن ذلك أن نقول: إن هذه الصورة من الكلام لم يلتزم فيها أحد هذين الأمرين؛ لأن الاستثناء المتصل من طبعه يفيد أن المستثنى جزء من المستثنى منه، إذ لولا ذلك لما صح الاستثناء؛ فهو إذن في غير حاجة إلى الضمير، فإن ما يفيده الضمير قد أفاده الكلام.
(٢) الآيتان ١٤، ١٥ من سورة البلد.
(٣) من الآية ٤٤ من سورة هود.
(٤) من الآية ٣٨ من سورة مريم.
(٥) بقي عليه مما يطرد فيه حذف الفاعل: أن يكون الفعل مضارعا مسندا إلى واو الجماعة مؤكدا بالنون الثقيلة نحو قولك «لا تضربنّ يا زيدون» وكذلك المضارع المسند إلى ياء المؤنثة المخاطبة وهو مؤكد بالنون الثقيلة أيضا نحو قولك «لا تضربنّ يا هند» فإن واو الجماعة في المثال الأول وياء المخاطبة في المثال الثاني محذوفان؛ للتخلص من التقاء الساكنين، ونظير هما الفعل المسند لواو الجماعة أو لألف الاثنين أو لياء المخاطبة إذا وقع بعده ساكن نحو «الزيدون أتقنوا العمل» و «الزيدان أتفنا العمل» و «اضربي المقصر يا هند» إلا أن الحذف في هذه الأمثلة يظهر في النطق، لا في الكتابة، ولم يعبأ المصنف بهذا الحذف؛ لأنه واقع لعلة صرفية، والمحذوف لعلة حكمه حكم الثابت؛ فلهذا لم يذكر المؤلف شيئا من ذلك، لكن مقام التعليم يقتضي ذكره لإرشاد الناشئ.