شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[نعم وبئس فعلان، خلافا للكوفيين]

صفحة 47 - الجزء 1

  وقعد، تقول: «قامت، وقعدت»، وأن حكمه في الأصل البناء على الفتح كما مثّلنا، وقد يخرج عنه إلى الضم؛ وذلك إذا اتصلت به واو الجماعة، كقولك: «قاموا، وقعدوا»⁣(⁣١) أو إلى السكون، وذلك إذا اتصل به الضمير المرفوع المتحرك كقولك: «قمت، وقعدت، وقمنا، وقعدنا» والنسوة كقولك: «قمن، وقعدن».

  وتلخّص عن ذلك أن له ثلاث حالات: الضم، والفتح، والسكون، وقد بيّنت ذلك.

  ولما كان من الأفعال الماضية ما اختلف في فعليته نصصت عليه، ونبّهت على أن الأصحّ فعليته، وهو أربع كلمات: نعم، وبئس، وعسى، وليس.

[نعم وبئس فعلان، خلافا للكوفيين]

  فأما «نعم، وبئس» فذهب الفرّاء وجماعة من الكوفيين إلى أنهما اسمان واستدلّوا على ذلك بدخول حرف الجرّ عليهما في قول بعضهم - وقد بشّر ببنت -: «واللّه ما هي بنعم الولد»⁣(⁣٢)، وقول آخر - وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير - «نعم السّير على بئس العير».


(١) ومن العلماء من ذهب إلى أن الماضي المسند إلى واو الجماعة مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة، والمسند لضمير الرفع المتحرك مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بالسكون العارض لدفع كراهة توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، لكن الذي ذكره المؤلف أيسر على المبتدئين.

(٢) إذا قلت «نعم الرجل محمد» فإعرابه على مذهب البصريين هكذا: «نعم» فعل ماض دال على إنشاء المدح مبني على الفتح لا محل له من الإعراب «الرجل» فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر مقدم، و «محمد» مبتدأ مؤخر، وفيه أعاريب أخرى على مذهبهم.

وإعرابه على مذهب الفراء ومن وافقه من الكوفيين هكذا: «نعم» مبتدأ، وهو اسم بمعنى الممدوح مبني على الفتح في محل رفع «الرجل» بدل من نعم أو عطف بيان عليه مرفوع بالضمة الظاهرة «محمد» خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

وكان قياس ما ذهب إليه هؤلاء أن يكون «الولد» في قوله «ما هي بنعم الولد» وكذا «العير» في قوله الآخر «على بئس العير» مخفوضين، على أن يكون «الولد» بدلا أو عطف بيان من «نعم» المخفوض محلا بالباء، و «العير» بدلا أو عطف بيان من «بئس» المخفوض محلا بعلى، لكن الرواية وردت في الكلمتين بالرفع.

وتخريج ذلك على أن «ما» نافية مهملة «هي» مبتدأ «بنعم» الباء حرف جر زائد «نعم» اسم بمعنى الممدوح، وهو خبر المبتدأ مبني على الفتح، وله محلان: أحدهما جر بالنظر إلى الباء، وثانيهما رفع بالنظر إلى الخبرية «الولد» بدل أو عطف بيان على «نعم» بالنظر إلى محله الثاني، أو الباء أصلية و «نعم» في محل جر بها، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الذي هو قوله «هي»، و «الولد» نعت مقطوع؛ فهو خبر مبتدأ محذوف، وقس إعراب المثال الثاني على هذا.