[«مهما» اسم شرط عند الجمهور، وزعم السهيلي وابن يسعون أنها حرف]
  الشّرطيّة، فإذا قلت: «إذ ما تقم أقم» فمعناه: إن تقم أقم؛ وقال المبرّد، وابن السرّاج، والفارسي: إنها ظرف زمان، وإن المعنى في المثال: متى تقم أقم، واحتجوا بأنها قبل دخول «ما» كانت اسما، والأصل عدم التغيير، وأجيب بأن التغيير قد تحقّق قطعا، بدليل أنها كانت للماضي، فصارت للمستقبل، فدلّ على أنها نزع منها ذلك المعنى البتة، وفي هذا الجواب نظر(١) لا يحتمله هذا المختصر.
[«مهما» اسم شرط عند الجمهور، وزعم السهيلي وابن يسعون أنها حرف]
  وأما «مهما» فزعم الجمهور أنها اسم، بدليل قوله تعالى: {مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ}(٢)، فالهاء من «به» عائدة عليها، والضمير لا يعود إلا على الأسماء، وزعم السّهيلي وابن يسعون أنها حرف(٣)، واستدلّا على ذلك بقول زهير:
  ١٠ - ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على النّاس تعلم
(١) حاصل هذا النظر أنه لم يرتض الجواب الذي أجاب به أنصار سيبويه؛ وذلك لأن خروج الكلمة من دلالتها على زمان إلى دلالتها على زمان آخر لا يلزم منه خروجها عن أصلها في النوع من كونها اسما أو فعلا؛ فإن الفعل الماضي دال على الزمان الماضي، وإذا دخلت عليه إن الشرطية دل على الزمان المستقبل، والفعل المضارع دال على الحال أو الاستقبال، ومتى دخلت عليه لم النافية دل على الماضي، ومع ذلك فإن أحدا من العلماء لم يذهب إلى أن واحدا من هذين الفعلين قد خرج عن أصله فصار الأول فعلا مضارعا أو الثاني فعلا ماضيا، مثلا.
(٢) من الآية ١٣٢ من سورة الأعراف.
(٣) ظاهر كلام المؤلف أن القائل بأنها حرف يقول: إنها حرف في كل كلام وردت هي فيه، ولهذا استدل على بطلان ذلك بمجيئها اسما في بعض الاستعمالات كالآية الكريمة، واستدل لكونها اسما في الآية بعود الضمير عليها، لكن من العلماء من زعم أن الذين يقولون إنها حرف لا يرون أنها في كل كلام تجيء فيه تكون حرفا، بل هم يرون أنها قد تكون حرفا في كلام ما، مثل ما ذكره في بيت زهير، وهذا لا ينافي أنها تكون اسما في كلام آخر مثل الآية الكريمة.
١٠ - هذا البيت لزهير بن أبي سلمى المزني، من معلقته المشهورة التي أولها:
أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم ... بحومانة الدّرّاج فالمتثلّم
وقد استشهد بهذا البيت جماعة من النحاة منهم الشارح في كتابه مغني اللبيب في مباحث «مهما» (رقم ٥٣٩) والأشموني في باب عوامل الجزم (رقم ١٠٥٩).
اللغة والرواية: «أم أوفى» كنية امرأة «دمنة» بكسر الدال وسكون الميم - هي كل ما بقي في الديار من آثار الناس بعد ارتحالهم «لم تكلم» أصله لم تتكلم، فحذف إحدى التاءين، والمراد أنها لم تخبر عمن تركوها أين منازلهم الآن، وكيف أحوالهم، و «حومانة الدراج، والمتثلم» اسما مكانين، و «خليقة» أي: خصلة، وسجية، وطبيعة، و «خالها» أي: ظنها وحسبها. =