شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

ترجمة العلامة الراحل محمد محيي الدين عبد الحميد

صفحة 16 - الجزء 1

  الأزهر من براثن الرجعية وإلى النهوض به نهضة قوية، وكان عماد تلك النهضة أساتذة أجلاء على رأسهم المغفور له الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد، إنه آنذاك عرضت عليه العروض لكي يمتنع عن مناصرة تلك الثورة ولكي يبتعد عن الوقوف بجانب أبنائه⁣[⁣١]، ولكنه لم تلن له قناة ولم يخضع لتهديد ولم يأبه لوعيد، وذلك خلق قوي في تلك الفترة العصيبة التي يدركها الجميع. ظل أستاذنا على هذا الوضع إلى أن صدر قرار بنقله مدرسا إلى معهد الإسكندرية انتقاما لموقفه المشرف، فلم يزده ذلك إلا إصرارا على مناصرة الحق، وإلا إصرارا على السير في ركاب الحرية، وإلا إصرارا على الوقوف في وجه أولئك الطغاة الذين لا همّ لهم إلا أن يكبتوا الأنفاس، ويخمدوا الأرواح الطاهرة البريئة، وقد أراد اللّه للأزهر أن ينتصر، وأراد اللّه أن تعود الدراسة بعد تعطيلها وأن يعود أستاذنا إلى كليته موفور الكرامة، مرفوع الهامة، مظلا لأبنائه بظله الوارف القوي، لا يأخذه زهو العلم، ولكنه كان كالأب الحنون العطوف على أبنائه، بيته بيت الأبناء، مكتبته مكتبة الأبناء، فكنا نفد إليه نستطلع رأيه ونستفيد من خبرته ومن تجاربه، فلم يضن على إنسان يوما ما بأيّ ناحية من تلك النواحي المتعلقة بدراسته، وعندما أنشئت الدراسات العليا كان الرائد الأول لنا والموجه لنفعنا ... (⁣١).

  «عندما عين وكيلا لكلية اللغة العربية، وكانت الكلية آنذاك في حرب ضروس ومعاناة قوية من الداخل والخارج، ما كاد يتولى أمرها ويسوس شأنها إلا ورأيناه يقود السفينة بحكمة الربان الماهر الحكيم، فينهي المآزق القوية، ويقضي على الفتن التي كادت تقضي على تلك الكلية، وإن أستاذنا الجليل الدكتور عبد الرزاق السنهوري، وكان وقتذاك وزيرا للمعارف، رأى بثاقب فكره أن ذلك الرجل جدير بأن يتولى عمادة الكلية؛ لتفتح ذهنه وتوقد فكره، وإمكانه التفاهم مع كل الناس، ولكنه لم يتمكن من إقناع المسؤولين لما عرف عن فقيدنا الراحل من جرأة في الحق لا ترضي بعض الناس آنذاك، فانتقل إلى التفتيش ونقل من التفتيش إلى أصول الدين ظنا منهم أن ذلك الرجل الذي كرس حياته في علوم العربية لا يمكن أن يجلي في أي ميدان آخر، ولكنه - بحمد اللّه - وهو الحصيف


[١] انظر جريدة «البلاغ» - ١٥ ديسمبر ١٩٣٤ م والأعداد التالية حتى أول مايو ١٩٣٥ م.

(١) من كلمة الدكتور إبراهيم محمد نجا (|) عميد كلية اللغة العربية بالقاهرة التي ألقاها في الحفل الذي أقامه مجمع اللغة العربية في مارس سنة ١٩٧٣ م لتأبين الفقيد.