شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[«إن» وأخواتها، معنى هذه الحروف]

صفحة 171 - الجزء 1

  للتشبيه⁣(⁣١)، كقولك: كأنّ زيدا أسد، أو الظنّ، كقولك: كأن زيدا كاتب، وليت للتمني، وهو: طلب ما لا طمع فيه كقول الشيخ:

  ٥٣ - .... . . ليت الشّباب يعود يوما ...


= أن الكلام السابق على لكنّ إما أن يكون مناقضا لما قبلها، مثل أن تقول «ما هذا بساكن، ولكنه متحرك» وإما أن يكون ضد ما بعدها نحو أن تقول «ما هذا بأسود لكنه أبيض» وإما أن يكون مخالفا لما بعدها من غير تناقض ولا ضدية كأن تقول «ما زيد بنائم، لكن عمرا منطلق» على خلاف في جواز أن يكون مماثلا.

(١) المراد بأن كأنّ للتشبيه أنها تستعمل حين يريد المتكلم بيان أن اسمها مشبه بخبرها؛ وهل هي دالة على ذلك إذا كان خبرها جامدا كالمثال الذي ذكره الشارح، أو ولو كان خبرها مشتقا؟ خلاف بين العلماء.

٥٣ - هذه قطعة من بيت مشهور، وهو لأبي العتاهية، وهو بتمامه هكذا:

ألا ليت الشّباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب

وأبو العتاهية شاعر من شعراء العصر العباسي، كان متصلا بقصر أمير المؤمنين هارون الرشيد، ولا يحتج بشعره على قواعد النحو ولا على مفردات اللغة، والمؤلف يذكر هذا الشاهد ونحوه على سبيل التمثيل، لا للاحتجاج.

اللغة: «الشباب» هو وقت تدفق القوة وشبوب الحرارة «يعود» يرجع «المشيب» أراد به الوقت الذي شاخ فيه جسمه وفترت همته وبردت حرارته.

المعنى: يتحسر على شبابه الماضي، ويأسف على ما صار إليه، في صورة أنه يتمنى أن يعود إليه شبابه ليحدثه عما يلاقيه من أوجاع الشيخوخة وآلامها.

الإعراب: «ألا» أداة استفتاح «ليت» حرف تمن ونصب «الشباب» اسم ليت منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة «يعود» فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الشباب، والجملة من يعود وفاعله في محل رفع خبر ليت «يوما» ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق بيعود «فأخبره» الفاء للسببية، أخبر: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد فاء السببية، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والهاء ضمير الغائب العائد إلى الشباب مفعول به لأخبر مبني على الضم في محل نصب «بما» الباء حرف جر، ما: اسم موصول بمعنى الذي، مبني على السكون في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلق بأخبر «فعل» فعل ماض «المشيب» فاعل فعل، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة الموصول، والعائد ضمير محذوف منصوب بفعل، والتقدير: فأخبره بالذي فعله المشيب.

التمثيل به: في قوله «ليت الشباب يعود» حيث دلت على التمني، وعملت في الاسم - وهو قوله الشباب - النصب، وعملت في الخبر الرفع، وهو جملة يعود مع فاعله المستتر فيه، والتمني هو: أن تطلب شيئا لا طمع فيه: إما لأنه لا يكون، وإما لأنه يتعسر حصوله.