شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[المفعول المطلق: معناه وأمثلته]

صفحة 251 - الجزء 1

  واحترزت بذكر الفضلة عن نحو قولك: «كلامك كلام حسن» وقول العرب: «جدّ جدّه» فكلام الثاني وجدّه: مصدران سلّط عليهما عامل من لفظهما - وهو الفعل في المثال الثاني، والمبتدأ في المثال الأول؛ بناء على قول سيبويه إن المبتدأ عامل في الخبر - وليسا من باب المفعول المطلق في شيء⁣(⁣١).

  وقد تنصب أشياء على المفعول المطلق ولم تكن مصدرا؛ وذلك على سبيل النّيابة عن المصدر، نحو: «كل» و «بعض» مضافين إلى المصدر، كقوله تعالى: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}⁣(⁣٢) {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ}⁣(⁣٣) والعدد، نحو: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ


= لكونه حالا، وإما جريا على ما ذهب إليه سيبويه من تجويز مجيئه غير مؤكد كما في هذا البيت «مفائد» جمع مفأد - كمنبر - وهن المساعير، قاله شارح الحماسة، وأرى أن المفائد - بالفاء - جمع مفأد - بزنة منبر أيضا - وهي في الأصل الخشبة التي تحرك بها النار في التنور، شبه النساء في اسودادها ويبسها بها، أراد أنهن مهزولات سود، وهو تشبيه معروف لا يزال جاريا على ألسنة عوام المصريين.

الإعراب: «تألى» فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف منع من ظهوره التعذر «ابن» فاعل تألى، مرفوع بالضمة الظاهرة وابن مضاف و «أوس» مضاف إليه «حلفة» مفعول مطلق مؤكد لعامله وهو تألى الذي معناه حلف، أو مبين لعدده لكونه مقترنا بتاء الوحدة منصوب بالفتحة الظاهرة «ليردني» اللام واقعة في جواب القسم إما على ما رآه سيبويه، وإما لأن المراد به الحال لا الاستقبال، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به، أما فاعله فهو ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ابن أوس «إلى نسوة» جار ومجرور متعلق بيرد «كأنهن» كأن: حرف تشبيه ونصب، وضمير الغائبات اسمه «مفائد» خبر كأن، والجملة من كأن واسمه وخبره في محل جر صفة لنسوة.

الشاهد فيه: قوله «تألى حلفة» فإن حلفة مفعول مطلق، والفعل والعامل فيه من معناه لا من لفظه؛ ألست ترى أن معنى الحلفة القسم، وأن معنى تألى أقسم، كما بيناه في لغة البيت، فكأنه قال: أقسم قسما وقد تكون التاء في «حلفة» مما بني عليه المصدر، فيكون المفعول المطلق مؤكدا لعامله، وقد تكون للوحدة فيكون مبينا للعدد، فافهم ذلك.

(١) أما المثال الأول فإنه ليس من المفعول المطلق في شيء؛ لأن المصدر - وهو «كلام حسن» وقع خبرا عن المبتدأ، والخبر ليس بفضلة لأن الكلام لا يستغني عنه، وإن حصل به بيان النوع، وأما المثال الثاني فليس من المفعول المطلق في شيء أيضا؛ لأن المصدر وقع فاعلا، والفاعل ليس بفضلة لما ذكرنا، وأصل هذا المثال «جد زيد جدا» ثم قصد المبالغة في وصفه بالجد، فتحول الإسناد إلى الجد، وأضيف إلى ضمير زيد، وهذا الإسناد مجازي، والعلاقة بين المسند إليه الحقيقي والمسند إليه المجازي المعبر عنها بالملابسة بينهما حاصلها صدور الجد من زيد: أي كونه مفعولا للفاعل الحقيقي، ومثل هذين قولك: «ضربك ضربتان» وإن بين به العدد.

(٢) من الآية ١٢٩ من سورة النساء.

(٣) من الآية ٤٤ من سورة الحاقة.