[«كم» على نوعين، وبيان حكم تمييز كل منهما]
[«كم» على نوعين، وبيان حكم تمييز كل منهما]
  ومن تمييز العدد تمييز «كم» الاستفهامية(١)، وذلك لأن «كم» في العربية كناية عن عدد مجهول الجنس والمقدار، وهي على ضربين: استفهامية بمعنى أيّ عدد، ويستعملها من يسأل عن كمية الشيء، وخبرية بمعنى كثير، ويستعملها من يريد الافتخار والتكثير، وتمييز الاستفهامية منصوب مفرد؛ تقول: «كم عبدا ملكت؟» و «كم دارا بنيت؟» وتمييز الخبرية مخفوض دائما، ثم تارة يكون مجموعا كتمييز العشرة فما دونها، تقول: كم عبيد ملكت، كما تقول: عشرة أعبد ملكت، وثلاثة أعبد ملكت، وتارة يكون مفردا كتمييز المائة فما فوقها، تقول: كم عبد ملكت؟ كما تقول: مائة عبد ملكت، وألف عبد ملكت، ويجوز خفض تمييز «كم» الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر، تقول: بكم درهم اشتريت؟ والخافض له «من» مضمرة، لا الإضافة؛ خلافا للزّجّاج.
  الثالث: من مظانّ تمييز المفرد: ما دلّ على مماثلة، نحو قوله تعالى: {وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً}(٢)، وقولهم: إنّ لنا أمثالها إبلا.
  الرابع: ما دلّ على مغايرة، نحو: إنّ لنا غيرها إبلا [أو شاء] وما أشبه ذلك.
(١) الفرق بين «كم» الاستفهامية وتمييزها و «كم» الخبرية وتمييزها من عشرة أوجه؛ الأول: أن الأصل في تمييز الاستفهامية النصب وفي تمييز الخبرية الجر، وقد يختلف الحال في كل منهما، والثاني: أن تمييز الاستفهامية يكون مفردا لا غير وتمييز الخبرية يكون مفردا ويكون جمعا، والثالث: أن الفصل بين الاستفهامية ومميزها جائز في سعة الكلام، والفصل بين الخبرية ومميزها لا يقع إلا في الضرورة، والرابع: أن الاستفهامية لا تدل على التكثير والخبرية تدل عليه وفي كل منهما خلاف، ولكن ما ذكرناه هو الأصل وهو مذهب الجمهور، والخامس: أن الخبرية يعطف على تمييزها بلا، تقول: كم رجل جاءني لا رجل ولا رجلين، والاستفهامية لا يجوز فيها ذلك، والسادس: أن الاستفهامية تحتاج إلى جواب، والأجود في جوابها أن يكون بحسب موقعها هي من الإعراب، ويجوز فيه الرفع مطلقا، والخبرية لا تحتاج إلى جواب، والسابع: أن الخبرية تختص بالماضي مثل «رب»، أما الاستفهامية فلا تختص به، فتقول «كم عبدا سأملكه» على معنى الاستفهام، والثامن:
أن المتكلم بكم الخبرية يتوجه إليه التصديق والتكذيب بخلاف المتكلم بكم الاستفهامية، والتاسع: أن البدل من الاستفهامية يقترن بهمزة الاستفهام، بخلاف الخبرية فلا يقترن البدل منها بالهمزة، والعاشر: أن تمييز الاستفهامية يجب نصبه إذا فصل منها بظرف أو جار ومجرور كما هو أصله، فأما تمييز الخبرية فإنه إذا فصل منها بأحدهما - ولا يكون فصله منها إلا في الضرورة كما قدمنا - فإنه يجوز نصبه وهو المختار حملا على تمييز الاستفهامية، ويجوز جره إما بحرف الجر وإما بالإضافة على الأصل، فإن كان الفاصل جملة فعلية لم يستوف فعلها معمولانه وجب جر التمييز بمن، استفهامية كانت كم أو خبرية.
(٢) من الآية ١٠٩ من سورة الكهف.