كتاب الطبائع
  من العذاب المهين مع (ما)(١) علم الله من كفرهم وفسادهم، وفجورهم وعنادهم؛ حتى أنه علم أنه لو أخرجهم من العذاب؛ لعادوا لما نهوا عنه من الأسباب.
  فكيف يا أخي - أكرمك الله بثوابه ونجانا وإياك من عذابه - يرجى لهولاء أبداً ثوابه، أو ينتظر منهم إنابة، أو تنفع فيهم موعظة أو تذكير، مع ما سمع من قول العليم الخبير، ومتى يرجى لهم فلاح، أو صبر أو رجعة أو صلاح، إذا لم يزجروا أنفسهم عن اللذات، ويقطعوها قطعاً عن الشهوات، ويجاهدوها جهاداً عن المهلكات؟!
  فإن قال قائل أو سأل من الملحدين سائل: فكيف لا يهلكهم ويفنيهم، ويميتهم في النار ويبليهم؟
  قيل له ولا قوة إلا باللّه. لأنه لو أماتهم وأهلكهم، لأخلف وعيده في تخليدهم، والحكيم لا يكذب في وعيده؛ فيكون ناقصأً عند جميع عبيده، وأيضأ فإنه لو أهلكهم؛ لكان الموت راحة لهم، ولكان(٢) تخفيفاً عنهم، وتخليصاً لهم من العذاب، وتفريجاً من كرب العقاب.
  فكيف يفرج الحكيم عن من قتل أنبياءه، وظلم رسله وأولياءه، وأعان على دينه أعداءه، واجتهد في إطفاء نوره، واستهزأ وتلعب بأموره، وأقبل على لهوه وفجوره، واشتغل عن وعظه وتذكيره، فكل هؤلاء الظلمة الفجار، الفسقة الأنجاس(٣) أهل النار؛ يظلم على قدر طاقته، ومبلغ قوته واستطاعته،
(١) في (ب): مع علم الله من فسادهم.
(٢) في (ب): لكان الموت راحة لهم وتخفيفاً عنهم.
(٣) في (ب) لم تتضح.