كتاب شواهد الصنع والدلالة على وحدانية الله وربوبيته
  وإن قلت: بل وجد قليله بعد كثيره، وكثيره بعد قليله، أصبت وجعلته عدداً معدوداً، متناهياً محدوداً، والعدد القليل والكثير لا يوجد الآخر منه إلا بعد الأول، ولا الاثنان إلا بعد الواحد، وذلك يدل على سبق قليله لكثيره، إذ لا توجد ساعة إلا بعد نقصانها، ولا تكثر إلا بعد قلتها.
  وإن قلت: بل وجد جميع ما مضى في ساعة واحدة، أقررت بحدثه وأَحَلْتَ، لأن الماضي من الأزمان ساعات لا تحصى، ويستحيل أن تكون الأزمان الكثيرة ساعة يسيرة، بل إذا صح أن العدم وقع على الكل صح منتهاه، إذ(١) حده العدم وحواه، وتضمنه وغاياه، وأبطل الجميع وناهاه، وإذا ثبت(٢) في المعقول أن سكون هذا الجسم لا يكون إلا شيئاً بعد شيء، ولا سكن كثيراً إلا بعد سكونه يسيراً، صح ما قلنا به من مبتدأ السكون، وصح بصحته مبتدأ حدوث الجسم، إذ لم ينفك من هذا الحادث ولم يسبقه.
  فإن قال: وما أنكرت من أن يكون تحرك قبل ذلك السكون بحركة لا نهاية لها؟
  قيل ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك، لأنه إذا تحرك قبل السكون، فسبيل الحركة سبيل السكون في الحدث.
  ودليل آخر: إذا كان للحركة آخر ومنقطع، فلها أول ومبتدع، وذلك أن آخر الحركة التي قطعها السكون أقل القليل، وقد كان(٣) بزعمك أكثر الكثير، فخبِّرني عن هذا الكثير، أعَدِمَ كله أم بعضه؟، أم لم يعدم منه كل ولا بعض؟!
(١) في (ب): إذا حذه العدم.
(٢) في (ب): وإذا أثبت.
(٣) في (ب): وقد يكون قبلها بزعمك.