مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

كتاب شواهد الصنع والدلالة على وحدانية الله وربوبيته

صفحة 168 - الجزء 1

  أن التعليم من صفة عالم، ويشهد أن التعليم لا يكون من فعل جاهل ميت غافل، وإن كان التعليم من غير عالم وكان من جاهل، فهذا العدم بعينه، والعدم لا يوجب شيئاً.

  ودليل آخر: أنا نظرنا إلى جميع الحيوانات فإذا هي مهدية إلى كفالة أولادها، وإلى طلب مناكحها ومآكلها، ومشاربها ومنافعها، ومساكنها ومصالحها، مفهَمة للنفور عن مضارها ومهالكها، فعلمنا أن الهداية هي الدلالة، والدلالة لا تخلو من أن تكون من عالم حي، أو من صنع ميت، فالعقل يشهد أن الدليل لا يكون ميتاً، ويشهد أن الهادي لا يكون جاهلاً.

  ودليل آخر: إما أن تكون هذه العقول المركبة الدالة من مركِّب دآلٍّ، وإما أن تكون من ميت، فالعقل يشهد أن الميت لا يدل على خير ولا شر، ويشهد أن العقل من أَجَلِّ العلوم، والعلم لا يكون من فعل الأموات، والعقل يشهد أن العلم من فعل عالم.

  فإن قلت: إن هذا العلم الحادث في الصدور، المحيط بجميع الأمور، المميز بين الخيرات والشرور، من فعل طبع ميت، فالعقل يشهد أن الميت لا يصنع العلم.

  وإن قلت: إنه من فعل لا شيء ناقضت قولك، لأن لا شيء لا يصنع علماً ولا جهلاً، لأن لا شيء عدم، والعدم ليس بجاهل ولا عالم، ولا حي ولا ميت، وإنما هو نفي والنفي فهو كلامنا ونفينا.

  وإن قلت: بل هو من فعل عالم، صدقت، وكان ذلك ضرورة كما ذكرت.

  وإن قلت: إن هذا العلم لا من حي ولا من ميت، ولا من شيء أصلاً، لم تخل من أن تكون أوجبت بهذا القول عدمه أو قدمه، فإن كنت أوجبت عدمه