كتاب شواهد الصنع والدلالة على وحدانية الله وربوبيته
  ودليل آخر: لم يقع كلامك إلا على مخلوقات، ولا بد للمخلوقات من خالق قديم.
  ودليل آخر: إما أن تكون عنيتَ بقولك: لا نهاية تريد الكل من المحدثات أو البعض، أو لم تعن كلاً ولا بعضاً، وفي هذا ما كفى.
  ودليل آخر: إذا كان هذا الخالق المخلوق آخر المخلوقات، لم يخل مَن قبله من الخالقين المخلوقين من أن يكون الآن كلهم موجودين، أو كلهم معدومين، أو بعضهم موجوداً وبعضهم معدوماً.
  فإن قلت: إن الكل موجود، فللكل نهاية وغاية، إذ لم يبق منهم شيء حتى هو الآن موجود، لم يعدم منهم شيء، وإذا صح وجود الكل، وصح حدث الكل، صح المحدث الخالق الأول القديم، الله الرحمن الرحيم، الواحد الحكيم، العليم.
  وإن قلت: إن الكل معدوم الآن فللكل نهاية، لأن ما صح حدثه كله، وصح عدمه كله بعد وجوده وحدوثه، صح محدثه بعد العدم ومفنيه، وهو الله خالقه وبَارِيه.
  وإن قلت: إن البعض موجود والبعض معدوم، جعلتها مقسمة قسمين: قسم هو الآن موجود كله مخلوق، وقسم كله قد عدم بعد حدوثه، ومضى بعد إيجاد موجده ومحدثه، وكلا القسمين لم يخل من الحدوث، والله محدثهما وخالقهما، ومفني ما فني بمشيئته، ومبقي ما بقي برحمته.
  وإن قال: إن قبل كل شيء شيئاً.