كتاب الرد على الملحدين وغيرهم من فرق الضالين
  بيان صنع الله في العلل وغيرها، فلما استحال هذان الوجهان صح الوجه الثالث وهو صنع الله سبحانه، وعز عن كل شأن شأنه، وذلك أنا نظرنا إلى النجوم والشمس والقمر فإذا هي(١) مسخرات، مدبَّرات مقدَّرات، فعلمنا أنه لا بد لكل مسخَّر كان معدوم التسخير من مسخِّر، ولا بد لكل تقدير كان بعد عدمه من مقدِّر، ولكل(٣) مدبَّر كان بعد عدمه من مدبِّر، وذلك أنا وجدنا لحركتها غاية تدل على أوليتها، ووجدنا فيها تصويراً وإحكاماً يدل على محكمها ومصورها، ووجدنا لها أقداراً تدل على مقدِّرها، ووجدناها متفاضلة فدل تفاضلها واختلافها على المفضِّل بينها، ووجدنا فيها دليلاً على منافع العباد، وقدوة للخلق في جميع البلاد، وهداية في ظلمات البر والبحر(٣)، ومصالح لهم في الليل والنهار، فدل ذلك على أنها نعمة، والنعمة لا تكون إلا من الواحد القهار، لما جعل فيها من الزينة والأنوار، وأقام بمنفعة ذلك من المعايش والإبصار.
  ودليل آخر: أن مكان هذه النجوم والشمس والقمر ضد لها منافر، مفارق مباين غير موافق ولا موالف، فلما نظرنا التأليف(٤) بين الضدين، دلنا ذلك على حدثهما جميعاً، وعلى أن لهما صانعاً ألّف بينهما(٥) بلطفه وقدرته، وتدبيره وإظهاره(٦) لحكمته.
(١) في (ب): هن.
(٢) في (ب): ولا بد.
(٣) في (ب): البحار.
(٤) في (ب): في التأليف.
(٥) في (ب): أن لهما صانعاً ألّف بينهما.
(٦) في (ب): واصل هذا بحكمته.