باب الصفات القديمة التي هي الله ø
[أسباب التجسيم والتشبيه]
  وإنما تولد الشرك والتشبيه والتجوير، ونسي العدل والتوحيد، مِن قِبَل الجهل بحدث العالم، ولو علموا بحدث المحدثات لما شبهوا(١)، ولو أيقنوا حقيقة اليقين لما ألحدوا في الله ولا كفروا.
  وقد أظن إن شاء الله تعالى ظناً صادقاً، وأعلم علماً متحققاً، أن من عظم يقينه بالله تبارك وتعالى لا يرغب في معصية أبدا، ولا يدخل في محظور متعمدا، ولا يخلو قلبه من الخشية والرحمة والهدى، ولا يدخل ما حيي في باب ردى.
  ولقد أظن إن شاء الله تعالى أن من صار إلى ذلك فقد ظفر بأنواع الحكمة كلها، وبرئ إن شاء الله تعالى من جهلها، وعظم بالله سروره وأنسه، وهان عليه(٢) ماله ونفسه، وقلَّت هيبته للموت في الله ليقينه بالمعاد، ووثق بما ادّخر لنفسه من الزاد، واجتهد في الله غاية الاجتهاد، وقرب من العفو عن كل من أساء إليه، ولم تنكصه الشبهات على عقبيه، ونظر الدنيا وأهلها بعين الزوال، وأيقين عنها بالارتحال، وأصبح للخيرات كلها أهلا، وللدين محلاً ومعقلا، وروى بمعرفة الله من الظما، وظفر بالغنائم العظمى.
[تعذيب الله للجهال]
  فإن قال قائل: فَلِمَ يعذب الله الجهال على مالم يعلموا، ولم يضطروا إليه فيعرفوا؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: إنما يعذبهم الله ø على ترك طلب الدليل عليه، والتوصل بالفكر في صنعه إليه، والخوف منه والطمع فيما لديه.
  ألا ترى أنك لو(٣) خُوِّفت بشيء من المهالك وجب عليك أن تجتهد
(١) في (ب): لما شبهوها.
(٢) في (ب): وهان عليه في الله.
(٣) في (ب): ألا ترى أنك إذا خفت.