كتاب المعجز الباهر في العدل والتوحيد لله العزيز القاهر
  أقريب أم بعيد أم ليس بقريب ولا بعيد؟ فإن جحد المعنيين جميعاً أكذب نفسه دون إكذاب غيره، وإن قال: إنه قريب، فهذا ما لا يقول به لبيب.
  وأيضاً فإنه مع كذبه وادعائه لقربه قد وصفه وأقر به، وإن قال: بل هو بعيد، أقرّ به صاغراً لأن البعد موجود غير معدوم والقرب والبعد صفتان معروفتان ولا تكون الصفة إلا لموصوف ولا المعرفة إلا لمعروف.
  [وإن] رجع في عمايته ومريته، وشكه وحيرته، فقال: إنما البعد صفة للسماء.
  قيل له ولا قوة إلا بالله: اعلم أنا لم نسالك عن بعد السماء ولا عن قربها وإنما المسألة عن بعد أعالي الأجواء.
  ودليل آخر يقال له: أخبرنا عن المكان المتصل بالأرض أهو المكان المتصل بالسماء أم لا؟
  فإن قال: هو هو، جعل الأرض سماءً والسماء أرضاً، وإن قال: بل المكان المتصل بالأرض غير المكان المتصل بالسماء.
  قيل له ولا قوة إلا بالله: فإذا كانا مكانين متغايرين فقد أقررت بوجودهما، إذ كان كل واحد منهما غير صاحبه، والعدم لا يوصف بصفة ولا صفتين، ولا يكون جزءاً ولا جزئين.
  ودليل آخر يقال له: أخبرنا عن المكان المتصل بالسماء أهو متصل بها أم لا؟
  فإن قال: لا، بان كذبه.
  وإن قال: نعم.
  قيل له: فقد أقررت بأنه شيء؛ لأن العدم لا يوصف بالاتصال والانفصال.