باب الدلالة على حدث الأجسام
  بينهما، وهو سبب تباعدهما وهو الفرق بينهما، وأيضاً فإنك مقر بأزلية تباينهما وهذا محال لما بينا من كونهما ووجودهما بوجود هذا الفضاء.
  فإن قال: وما أنكرت من أن يكونا في حال أزليتهما غير مفترقين ثم افترقا؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: هذه حجة عليك لا لك احتججت بها على نفسك؛ لأن حدث الافتراق دليل على المفرق، وافتراقهما بعد اجتماعهما دليل على مفرقهما بعد جمعه، وتنقلهما دليل على صنعه.
  ودليل آخر: أنك قلت: افترقتا، والافتراق لا يكون إلا في مكان كما وصفنا، وكذلك الاجتماع، ووجود المكان دليل على حدثهما؛ إذ لم يخلُ من هذا المكان المحدث الذي بينا حدثه، فيما مضى من كلامنا، وإذا لم يسبقه المحدث - أعني الهواء - أو لم يكونا قبله فسبيلهما في الحدث سبيله.
  ودليل آخر: أنك قلت: افترقتا، والافتراق لا يكون إلا بعد الاجتماع، وإذا كان للاجتماع آخر فله أول، ويستحيل آخر بلا أول.
  ودليل آخر: ألا ترى أنهما إذا كانتا لم تريا إلا مجتمعتين(١) ثم افترقتا، فقد بطل ما مضى من كثرة سكونهما واجتماعهما، ولا يخلو - هذا الباطل الذي بطل وهو سكونهما - من أن يكون بطل كله أو بطل بعضه.
  فإن قلت: بطل بعضه، فهذا محال؛ لأنك أقررت بحركة افتراقهما بعد سكون اجتماعهما وإذا تحركتا فقد بطل كلما مضى من سكونهما، وإذا بطل جميع السكون والساعات الحادثة، فقد صح أن لهما عدداً، وإذا صح بأن للساعات
(١) في (أ) مختلفتين بدل لفظة مجتمعتين.