شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[الخامس: «لا» الطلبية]

صفحة 113 - الجزء 1


= ناحيتيها وجهتيها، وأصل المركب مكان الركوب، وقوله: «شاجر» هو اسم فاعل من قولهم: شجر بين القوم، أي تفرق واختلف، وصف لبيد في هذا البيت داهية يعجز الشجاع عن الخوض في مضمارها؛ فيقول: إنك إذا جئتها وقعت فيها والتبست بها، وكان ركوبها صعبا عليك.

وأما البيت الآخر فقوله: «تلمم» فعل مضارع من الإلمام، وهو الإتيان والزيارة وقوله: «تأججا» فعل مسند لألف الاثنين، وهما الحطب الجزل والنار، والتأجج: الاحتراق والالتهاب، يصف أنفسهم بالكرم وأنهم يقرون الأضياف؛ فمن جاءهم وجدهم يوقدون النار، ومن عادة العرب إذا كانوا في جدب أن يوقد كرامهم النار ليهتدي بها إليهم السالك.

الإعراب: إعراب بيت لبيد: «أصبحت» أصبح: فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، والتاء ضمير المخاطب اسم أصبح مبني على الفتح في محل رفع «أنى» اسم شرط جازم يجزم فعلين «تأتها» تأت: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بأنى، وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وها: مفعول به لتأتي، مبني على السكون في محل نصب «تلتبس» فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بأنى، وعلامة جزمه السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بها» جار ومجرور متعلق بتلتبس، وجملة الشرط والجواب في محل نصب خبر أصبح «كلا» مبتدأ، مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، وكلا مضاف ومركبي من قوله «مركبيها» مضاف إليه، مجرور بالياء المفتوح ما قبلها تحقيقا المكسور ما بعدها تقديرا لأنه مثنى، ومركبي مضاف وها ضمير الغائبة مضاف إليه «تحت» ظرف مكان متعلق بقوله شاجر الآتي، وتحت مضاف ورجل من قوله «رجلك» مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، ورجل مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه، وقوله «شاجر» خبر المبتدأ الذي هو كلا، وإفراد الخبر لأن كلمة «كلا» وإن كان معناها معنى المثنى إلا أن لفظها مفرد فراعى الشاعر ههنا لفظها فأفرد الخبر، ومراعاة اللفظ أرجح من مراعاة المعنى، ومثله في مراعاة اللفظ قول عبد اللّه بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب:

كلانا غنيّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا

وعليه جاء قول اللّه تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها} ولو روعي المعنى لقيل: آتتا أكلهما، وقد جمع الفرزدق في بيت واحد بين مراعاة اللفظ والمعنى فقال:

كلاهما حين جدّ الجري بينهما ... قد أقلعا، وكلا أنفيهما رابي

أفلا ترى أنه قال «كلاهما قد أقلعا» فراعى المعنى وثنى، ثم قال: «وكلا أنفيهما رابي» فراعى اللفظ وأفرد، ومثله في الجمع بينهما قول الأسود بن يعفر:

إنّ المنيّة والحتوف كلاهما ... يوفي المخارم يرقبان سوادي

فأفرد مراعاة للفظ في قوله: «يوفي» وثنى مراعاة للمعنى في قوله: «يرقبان سوادي».

الشاهد فيه: قوله «أنى تأتها تلتبس» حيث جزم بأنى فعلين؛ أولهما «تأت» وهو فعل الشرط، وثانيهما =