شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[إذا اتصلت بإحداها «ما» الحرفية بطل عملها إلا «ليت»]

صفحة 173 - الجزء 1

  ٥٤ - فو اللّه ما فارقتكم قاليا لكم ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون

  وقال الآخر:


٥٤ - نسب جماعة هذا البيت للأفوه الأودي، ولكن البيت وارد في أمالي القالي (ج ١ ص ٩٩) وفي كثير من كتب النحو منها الأشموني (رقم ١٦٨) ولم نجد أحدا ممن يوثق بنقله قد نسبه لقائل معين.

اللغة: «قاليا» كارها، وتقول: قلوته أقلوه مثل دعوته أدعوه، وقليته أقليه مثل رميته أرميه، وقليته أقلاه مثل رضيته أرضاه، ومعناه في لغاته الثلاث كرهته «يقضى» بالبناء للمجهول، يقدره اللّه تعالى «سوف يكون» يريد أنه يقع ويوجد بغير شك.

المعنى: يقول لأحبته: إن مفارقته لهم لم تكن عن كراهية منه في البقاء بينهم، ولا كانت عن رغبة منه في ذلك، ولكنها قضاء اللّه الذي لا مرد له.

الإعراب: «واللّه» الواو حرف قسم وجر، ولفظ الجلالة مقسم به مجرور بالواو، والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف «ما» نافية «فارقتكم» فارق: فعل ماض، والتاء ضمير المتكلم فاعل، مبني على الضم في محل رفع، والكاف ضمير المخاطب مفعول به مبني على الضم في محل نصب، والميم حرف دال على الجمع «قاليا» حال من ضمير المتكلم منصوب بالفتحة الظاهرة «لكم» جار ومجرور متعلق بقال «ولكن ما» الواو حرف عطف، ولكن حرف استدراك ونصب، ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم لكن «يقضى» فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة من يقضى ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول «فسوف» الفاء زائدة، سوف: حرف دال على التنفيس «يكون» فعل مضارع تام، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما يقضى، والجملة من يكون وفاعله في محل رفع خبر لكنّ.

الشاهد فيه: قول «لكن ما ... .» فإن المؤلف قد توهم أن «ما» هذه كافة، وأنها دخلت على «لكن» فمنعتها من العمل وأزالت اختصاصها بالجملة الاسمية، وقد تابعه الأشموني على هذا، وهذا الذي توهمه المؤلف خطأ، بل «ما» هذه موصول اسمي هو اسم «لكن» كما قررناه في عبارة الإعراب، و «لكن» هنا عاملة النصب والرفع، وهي داخلة على جملة اسمية لا فعلية، فافهم ذلك كله.

وصواب الاستشهاد لما أراد المؤلف الاستشهاد له بقول امرئ القيس:

ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل ... وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي

فإن «ما» في هذا البيت زائدة، وقد كفت «لكن» عن العمل، وقد أمكنتها من الدخول على الجملة الفعلية - وهي جملة «أسعى» مع فاعله المستتر فيه - وإنك لتجد المؤلف قد استدرك ذلك في باب إن وأخواتها من كتابه أوضح المسالك.