[لا يتوسط خبر هذه الحروف إلا أن يكون ظرفا]
  ٦٣ - كأنّي من أخبار إنّ، ولم يجز ... له أحد في النّحو أن يتقدّما
  ويستثنى من ذلك ما إذا كان الخبر ظرفا، أو جارّا ومجرورا؛ فإنه يجوز فيهما أن يتوسط؛ لأنهم قد يتوسّعون فيهما ما لم يتوسّعوا في غير هما [كما] قال اللّه تعالى: {إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً}(١) {إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى}(٢).
  واستغنيت بتنبيهي على امتناع التوسط في غير مسألة الظرف والجار والمجرور عن التنبيه على امتناع التقدم؛ لأن امتناع الأسهل يستلزم امتناع غيره، بخلاف العكس.
  ولا يلزم من ذكري توسيطهم الظرف والمجرور أن يكونوا يجيزون تقديمه؛ لأنه لا يلزم من تجويزهم في الأسهل تجويزهم في غيره(٣).
  * * *
٦٣ - هذا البيت كما قال المؤلف لابن عنين وهو شرف الدين أبو العباس محمد بن نصر الدين بن نصر بن الحسين بن عنين، الأنصاري، الكوفي الأصل، الدمشقي المولد والوفاة، ولد بدمشق في سنة ٥٣٩ وتوفي بها في سنة ٦٣٠ من الهجرة، وليس ابن عنين ممن يحتج بشعره في قواعد النحو والصرف واللغة، ولكنك ترى أن المؤلف لم ينشده للاستشهاد به على شيء من ذلك، وإنما أنشده استظرافا لمعناه، ولأنه تضمن بعبارته بيان قاعدة نحوية.
الإعراب: «كأني» كأن: حرف تشبيه ونصب، وياء المتكلم اسمه «من أخبار» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كأن، وأخبار مضاف، و «إن» قصد لفظه مضاف إليه، وكل كلمة قصد لفظها تصير اسما «ولم يجز» الواو حرف عطف، لم: حرف نفي وجزم وقلب «يجز» فعل مضارع مجزوم بلم «له» جار ومجرور متعلق بيجز «أحد» فاعل يجز «في النحو» جار ومجرور متعلق بيجز أيضا «أن» حرف مصدري ونصب «يتقدما» فعل مضارع منصوب بأن، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أحد الذي هو فاعل يجز، والألف للإطلاق، وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب مفعول به ليجز.
(١) من الآية ١٣ من سورة المزمل.
(٢) من الآية ٢٦ من سورة النازعات.
(٣) إذا كان خبر إن أو إحدى أخواتها ظرفا أو جارا ومجرورا فإنه لا يجوز تقديمه على «إن» لأن هذه الأحرف ضعيفة؛ لكونها لم تعمل بالأصالة، وإنما عملت بالحمل على الأفعال لتضمنها معاني الأفعال، فإن - مكسورة أو مفتوحة - تتضمن معنى أؤكد، ولعل تتضمن معنى أترجى، وليت تتضمن معنى أتمنى، ولكن تتضمن معنى أستدرك، وكأن تتضمن معنى أشبه، هكذا، والعامل الضعيف لا يقوى على العمل فيما يتقدم عليه، وأما توسط هذا الخبر - أي الظرف، أو الجار والمجرور - بين إن واسمها فهو على ثلاثة أوجه، الوجه الأول ما لا يجوز ذلك فيه بل يجب تأخره، وذلك إذا اقترن بلام الابتداء نحو قولك «إن زيدا لفي الدار» والثاني ما يجب توسطه، =