شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[المحذوف للترخيم إما حرف، وإما حرفان، وإما كلمة برأسها]

صفحة 243 - الجزء 1

  أصليّ؟ لأن الأصل مختير، أو مختير فأبدلت الياء ألفا، وعن الأخفش إجازة حذفها تشبيها لها بالزائدة، كما شبهوا ألف مرامى في النسب بألف حبارى فحذفوها، وفي نحو:

  «دلامص» علما، لأن الميم وإن كانت زائدة بدليل قولهم: «درع دلامص» و «درع دلاص» ولكنها حرف صحيح، لا معتلّ، وفي نحو: «سعيد، وعماد، وثمود»، لأن الحرف المعتلّ لم يسبق بثلاثة أحرف، وعن الفراء إجازة حذفهن، وأنشد سيبويه:

  ٩٣ - ... تنكّرت منّا بعد معرفة لمي ...

  أي: يا لميس؛ فحذفوا السين فقط.


٩٣ - هذا الشاهد صدر بيت لأوس بن حجر، وعجزه قوله:

... وبعد التّصافي والشّباب المكرّم ...

وهذا البيت قد أنشده سيبويه (ج ١ - ٣٣٦).

اللغة: «تنكرت منا» يريد أنكرتنا وصددت عنا «لمي» يريد يا لميس، ولميس: اسم امرأة، واسمع إلى قول الراجز يتغزل فيمن اسمها لميس:

يا ليتني وأنت يا لميس ... في بلدة ليس بها أنيس

... إلّا اليعافير وإلّا العيس ...

المعنى: يقول: إنك يا لميس قد أنكرتنا في الكبر والشيخوخة بعد المعرفة التي كانت بيننا زمن الشباب.

الإعراب: «تنكرت» تنكر: فعل ماض، والتاء ضمير المخاطبة فاعل، مبني على الكسر في محل رفع «منا» جار ومجرور متعلق بتنكر «بعد» ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق بتنكر، وبعد مضاف و «معرفة» مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة «لمي» منادى مرخم بحرف نداء محذوف، مبني على ضم الحرف المحذوف للترخيم في محل نصب.

الشاهد فيه: قوله «لمي» حيث رخمه بحذف آخره وحده، وأصله لميس؛ فلم يحذف إلا السين؛ لكون الحرف السابق عليها - وهو الياء - غير مسبوق إلا بحرفين، ومثله قول الشاعر، وهو يزيد بن مخرم، وأنشده سيبويه (ج ١ ص ٣٣٤):

فقلتم: تعال يا يزي بن مخرّم، ... فقلت لكم: إنّي حليف صداء

أراد «يا يزيد» فحذف الدال، ولم يستتبع ذلك حذف الياء التي قبلها؛ لكون ما قبل الياء حرفين ليس غير، وصداء - بزنة غراب - يقال: هو اسم حي من بني أسد، ويقال: هو اسم فرسه، والمعنى على ذلك: إنّي لا أحتاج مع وجود فرسي الذي أعتز به إلى أن أحالف أحدا؛ لأني أنجو عليه حين يكون النجاء لازما!