شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[قد يكون الحال أو التمييز مؤكدا]

صفحة 270 - الجزء 1

  ومثال ذلك في التمييز قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً}⁣(⁣١) {وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}⁣(⁣٢) وقول أبي طالب:


= الإعراب: «تضيء» فعل مضارع، مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي «في وجه» جار ومجرور متعلق بتضيء، ووجه مضاف و «الظلام» مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة «منيرة» حال من فاعل تضيء المستتر فيه «كجمانة» جار ومجرور متعلق بمحذوف: إما حال ثانية من فاعل تضيء، وإما خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي كجمانة، وجمانة مضاف، و «البحري» مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة «سل» فعل ماض مبني للمجهول «نظامها» نظام: نائب فاعل سل، مرفوع بالضمة الظاهرة، ونظام مضاف وضمير الغائبة العائد إلى جمانة البحري مضاف إليه، وجملة سل ونائب فاعله في محل نصب حال على تقدير قد عند جمهور البصريين.

الشاهد فيه: قوله «منيرة» فإنه حال من فاعل تضيء، على ما عرفت في الإعراب، ومعنى هذا الحال قد فهم من قوله «تضيء» لأن الإضاءة والإنارة بمعنى واحد تقريبا؛ فتكون هذه الحال مؤكدة لعاملها، والحال المؤكدة لعاملها أحد ثلاثة أنواع للحال المؤكدة.

ونظير هذا البيت الآيات الأربع الكريمة التي تلاها الشارح، فإن {مُفْسِدِينَ} في الآية الأولى حال من الواو في {تَعْثَوْا} وقد فهم معنى الحال من هذا الفعل وهو عاملها، و {مُدْبِرِينَ} في الآية الثانية حال من التاء في {تَوَلَّيْتُمْ} وقد فهم معنى الحال من هذا الفعل وهو العامل فيها، و {حَيًّا} في الآية الثالثة حال من الضمير المستتر في {أُبْعَثُ} وقد فهم معنى هذا الحال من الفعل وهو (أبعث) وهو العامل فيها، و {ضاحِكاً} في الآية الرابعة حال من الضمير المستتر في (تبسم) وقد فهم معنى الحال من هذا الفعل الذي هو العامل فيها، فالحال في كل هذه الأمثلة مؤكدة لعاملها.

وقد تكون الحال مؤكدة لصاحبها نحو قوله تعالى: {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} فإن قوله سبحانه {جَمِيعاً} حال من {مَنْ فِي الْأَرْضِ} وقد فهم معنى الحال منه، وهو صاحبها، ومثله قولهم «جاء الناس قاطبة».

وقد تكون الحال مؤكدة لمضمون جملة قبلها مركبة من اسمين جامدين معرفتين نحو «زيد أبوك عطوفا» ونحو قول سالم بن دارة:

أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ... وهل بدارة يا للنّاس من عار

(١) من الآية ٣٦ من سورة التوبة.

(٢) من الآية ١٤٢ من سورة الأعراف.

واعلم أن تأكيد التمييز في الآيتين الكريمتين ليس كتأكيد الحال؛ فإنك قد عرفت أن الحال قد يكون مؤكدا لعامله نحو {فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً} أما التمييز فلا يكون مؤكدا لعامله؛ لأن {شَهْراً} في الآية الكريمة تمييز لقوله سبحانه: {اثْنا عَشَرَ} وهو العامل في التمييز، وليس التمييز مؤكدا للاثني عشر، بل هو مبين له، وإنما هو مؤكد لقوله سبحانه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} وليس هو العامل فيه، وكذلك الآية الثانية، وقد أشرنا إلى ذلك فيما مضى.