[المستثنى بغير وسوى]
  وإنما امتنع الاتباع في ذلك لأن التابع لا يتقدّم على المتبوع.
  وإن كان الكلام السابق على «إلا» غير تامّ - ونعني به ألا يكون المستثنى منه مذكورا - فإن الاسم المذكور الواقع بعد «إلا» يعطى ما يستحقه لو لم توجد «إلّا»(١) فيقال: «ما قام إلّا زيد» بالرفع، كما يقال: ما قام زيد و «ما رأيت إلّا زيدا» بالنصب، كما يقال: ما رأيت زيدا، و «ما مررت إلّا بزيد» بالجر، كما يقال: ما مررت بزيد، ويسمّى ذلك استثناء مفرّغا؛ لأن ما قبل «إلّا» قد تفرّغ لطلب ما بعدها، ولم يشتغل عنه بالعمل فيما يقتضيه، والاستثناء في ذلك كله من اسم عام محذوف؛ فتقدير «ما قام إلّا زيد» ما قام أحد إلّا زيد، وكذا الباقي.
  * * *
[المستثنى بغير وسوى]
  ص - ويستثنى بغير وسوى خافضين معربين بإعراب الاسم الّذي بعد «إلّا» وبخلا، وعدا، وحاشا، نواصب أو خوافض، وبما خلا، وبما عدا، وليس، ولا يكون، نواصب.
  ش - الأدوات التي يستثنى بها - غير إلّا - ثلاثة أقسام: ما يخفض دائما، وما ينصب دائما، وما يخفض تارة وينصب أخرى.
  فأما الذي يخفض دائما فغير وسوى، تقول: «قام القوم غير زيد» و «قام القوم سوى
(١) يريد الشيخ أن يقول: إذا كان الكلام السابق على «إلا» ناقصا - بأن لم يذكر فيه المستثنى منه، ولا يكون حينئذ إلا منفيا؛ لأن نفي حكم العامل عن جميع الأفراد وإثباته لواحد منهم أمر معقول، أما إثباته للجميع ونفيه عن واحد فأمر غير معقول في مجرى العادة، لأن المتكلم منا لا اطلاع له على عمل جميع أفراد النوع، ومن جهة أخرى اتفاق جميع أفراد نوع الإنسان مثلا في عمل واحد في وقت واحد غير معقول عادة.
ففي هذه الحالة يكون المستثنى لا عمل فيه لإلا، بل العمل لما قبلها؛ فإن اقتضى ما قبل إلا الرفع كان ما بعدها مرفوعا، ومن شواهد هذه الحالة قوله تعالى: {وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ} وإن اقتضى ما قبل إلا النصب كان ما بعدها منصوبا: إما على أنه مفعول به نحو قوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} وإما على أنه مفعول لأجله نحو قوله تعالى: {ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا} أي ما ضربوه إلا لأجل الجدال وقصد الغلبة، لا للرغبة في التمييز بين الحق والباطل، وإما على أنه مفعول فيه نحو قوله تعالى: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً} وإما على أنه حال نحو قوله تعالى: {ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ} فأما المفعول المطلق فإن كان مبينا بوصف ولو تقديرا صح أن يقع في هذا الباب نحو قوله تعالى: {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} ونحو قوله سبحانه: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} وأما المفعول معه فلا يقع في هذا النوع من الأسلوب؛ فلا يجوز أن تقول «ما ذاكرت إلا والمصباح» ولا «ما سرت إلا والنيل» وإن اقتضى الكلام الذي قبل إلا الجر كان ما بعد إلا مجرورا، ومن شواهده قوله تعالى: {وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.}