شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[«كي» تجر بها «ما» الاستفهامية]

صفحة 281 - الجزء 1

  وأنكر المبرد استعماله، وهذا البيت ونحوه حجّة لسيبويه عليه⁣(⁣١). والأكثر [في العربية] لولا أنا، ولولا أنت، ولولا هو، قال اللّه تعالى: {لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}⁣(⁣٢).


= المعنى: يقول: أشارت هذه الفتاة إليّ بعينيها من داخل مركبها مخافة من الرقباء، وحدثتني هذه الإشارة أنها لم تخرج للحج إلا رغبة في لقائي، ولو كنت لم أخرج لما خرجت هي.

الإعراب: «أومت» فعل ماض، مبني على فتح مقدر على الألف المنقلبة عن الهمزة المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، والتاء الساكنة علامة التأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي «بعينيها» الباء حرف جر، عيني: مجرور بالباء وعلامة جره الياء المفتوح ما قبلها تحقيقا المكسور ما بعدها تقديرا لأنه مثنى، وعيني مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بأومأ «من الهودج» جار ومجرور متعلق بأومأ أيضا «لولاك» لولا: حرف جر شبيه بالزائد لا يحتاج إلى متعلق، والكاف ضمير المخاطب مبتدأ - قال الأخفش: مبني على الفتح في محل رفع، وقال سيبويه والجمهور: له محلان، أولهما جر بحرف الجر، وثانيهما رفع بالابتداء، ولو حظ الأول فجيء به متصلا - والخبر محذوف وجوبا تقديره: لولاك موجود، مثلا «في» حرف جر «ذا» اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بفي، والجار والمجرور متعلق بأحجج الآتي «العام» بدل من اسم الإشارة «لم» حرف نفي وجزم وقلب «أحجج» فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لأجل الروي، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة لا محل لها من الإعراب جواب لولا.

الشاهد فيه: قوله «لولاك» حيث دخلت «لولا» على الضمير المتصل فجرته محلّا كما هو مذهب سيبويه، وفي هذه المسألة كلام طويل، ذكرناه مفصلا في شرحنا على شرح الأشموني، ولا يليق ذكره بهذه العجالة.

(١) مثل هذا البيت قول عمرو بن العاص يخاطب معاوية بن أبي سفيان، وهو من شواهد الأشموني (رقم ٥٢٤):

أتطمع فينا من أراق دماءنا ... ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن!

وقول يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي يخاطب ابن عمه، وهو أيضا من شواهد الأشموني (رقم ٥٢٥):

وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قنّة النّيق منهوي

وعليه جاء قول التهامي:

لولاه لم يقض في أعدائه قلم ... ومخلب اللّيث لولا اللّيث كالظّفر

(٢) من الآية ٣١ من سورة سبأ، ومراد المؤلف أن الإتيان بالضمير المنفصل بعد «لولا» أكثر من الإتيان بالضمير المتصل، فأما الأكثر على الإطلاق فهو وقوع الاسم الظاهر، نحو قول المتنبي:

كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لولا مخاطبتي إيّاك لم ترني

ونحو قوله أيضا:

لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أدنى إلى شرف من الإنسان

وقد استعمل التهامي في البيت الذي أنشدناه قريبا الضمير المتصل في عبارة، وذلك قوله «لولاه» والاسم الظاهر في عبارة أخرى وذلك قوله «لولا الليث».