شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[ما يتبع فيه منعوته]

صفحة 320 - الجزء 1

  ١٣٣ - ... قد يؤخذ الجار بجرم الجار ...

  ومرادهم بذلك أن يناسبوا بين المتجاورين في اللفظ، وإن كان المعنى على خلاف ذلك، وعلى هذا الوجه ففي «خرب» ضمة مقدّرة منع من ظهورها اشتغال الآخر بحركة المجاورة، وليس ذلك بمخرج له عما ذكرناه من أنه تابع لمنعوته في الإعراب، كما أنّا نقول: إن المبتدأ والخبر مرفوعان، ولا يمنع من ذلك قراءة الحسن [البصريّ] {الْحَمْدُ لِلَّهِ ...}⁣(⁣١) بكسر الدال اتباعا لكسرة اللام، ولا يمنع من ذلك أيضا قولهم في الحكاية «من زيدا» بالنصب، أو «من زيد» بالخفض، إذا سألت من قال: رأيت زيدا، أو مررت بزيد، وأردت أن تربط كلامك بكلامه بحكاية الإعراب.

  وقد تبين بهذا صحة قولنا: إن النعت لا بد أن يتبع منعوته في إعرابه وتعريفه وتنكيره.⁣(⁣٢)

  وأما حكمه بالنظر إلى الخمسة الباقية - وهي: الإفراد، والتثنية، والجمع، والتذكير، والتأنيث - فإنه يعطى منها ما يعطى الفعل الذي يحلّ محلّه في ذلك الكلام؛ فإن


١٣٣ - هذا مثل من أمثال العهد الإسلامي يوافق نصف بيت من الرجز، وانظره في مجمع الأمثال للميداني (ج ٢ ص ١٧ طبع المطبعة الخيرية)، وقد أورده أبو الفتح بن جني في كتاب الخصائص (٤٦٤) ثالث ثلاثة أبيات من الرجز المشطور، ونسبه لأعرابي يقوله لامرأته، ولم يعينه، وقد أشار إليه الحريري في المقامة الأربعين، وذكر الشريشي شارحها الأبيات والقصة التي ذكرها ابن جني!.

الإعراب: «قد» حرف تقليل، مبني على السكون لا محل له من الإعراب «يؤخذ» فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع بالضمة الظاهرة «الجار» نائب فاعل يؤخذ، مرفوع بالضمة الظاهرة «بجرم» جار ومجرور متعلق بقوله يؤخذ، وجرم مضاف و «الجار» مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

الشاهد فيه: ليس في هذا المثل شاهد لهذا الباب يستشهد بشيء من ألفاظه عليه، ولكن المؤلف قد جاء به ليدل على أن الشيء قد يعامل المعاملة التي يستحقها جاره، لا المعاملة التي يستحقها هو نفسه، ونظيره أن العرب عاملت «خرب» المعاملة التي يستحقها «ضب» فجروا لفظه ولو أنهم عاملوا «خرب» المعاملة التي يستحقها هو نفسه لرفعوه؛ لأنه نعت للمرفوع، ونعت المرفوع يجب أن يكون مرفوعا.

(١) من الآية ٢ من سورة الفاتحة، ومن آيات أخرى.

(٢) لم يتكلم المؤلف على الآيتين الكريمتين - وهما قوله سبحانه {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ} وقوله جلت كلمته {حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ} وقد تكلمنا عليهما فيما سبق.