[ما يتبع فيه منعوته]
  والتنكير، ولا يجوز في شيء من النعوت أن يخالف منعوته في الإعراب، ولا أن يخالفه في التعريف والتنكير.
  فإن قلت: هذا منتقض بقولهم: «هذا جحر ضبّ خرب»(١) فوصفوا المرفوع، وهو الجحر، بالمخفوض، وهو «خرب» وبقوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ}(٢) فوصف النكرة، وهي {لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} بالمعرفة، وهو {الَّذِي} وبقوله تعالى: {حم، تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ}(٣)، فوصف المعرفة - وهو اسم اللّه تعالى - بالنكرة، وهي {شَدِيدِ الْعِقابِ} وإنما قلنا: إنه نكرة لأنه من باب الصفة المشبهة، ولا تكون إضافتها إلا في تقدير الانفصال، ألا ترى أن المعنى: شديد عقابه، لا ينفكّ في المعنى عن ذلك؟
  قلت: أما قولهم: «هذا جحر ضبّ خرب» فأكثر العرب ترفع خربا، ولا إشكال فيه، ومنهم من يخفضه لمجاورته للمخفوض، كما قال الشاعر:
(١) مثل هذا المثل قول امرئ القيس بن حجر الكندي من معلقته:
كأنّ ثبيرا في عرانين ويله ... كبير أنّاس في بجاد مزمّل
فإن قوله: «مزمل» نعت لكبير أناس، وأنت ترى النعت مجرورا والمنعوت مرفوعا، والكلام فيه كالذي ذكره الشارح في تخريج المثل عند من جر «خرب».
ومن هذا تفهم أن هذا البيت والمثال الذي ذكره المؤلف ونحوهما لا يخرج شيء منها عما قرره النحاة من ضرورة أن يتبع النعت منعوته في إعرابه، لأن ذلك إما أن يكون لفظا نحو «جاءني رجل فاضل» وإما أن يكون تقديرا نحو «زارني عليّ المرتضى» وإما أن يكون محلا نحو «زارني خالد هذا» ومن الذي يوافق منعوته تقديرا مثال الشارح وبيت امرئ القيس؛ فإن كل نعت فيهما مرفوع تبعا للمنعوت، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة.
(٢) الآيتان ١، ٢ من سورة الهمزة، وادعاء الشيخ أن {الَّذِي جَمَعَ} نعت لكل همزة لمزة ليس صحيحا، لأن {الَّذِي جَمَعَ} بدل من كل همزة لمزة، والبدل لا يلزم فيه أن يتطابق مع المبدل منه في التعريف والتنكير، ويجوز أن تجعل {الَّذِي جَمَعَ مالًا} نعتا مقطوعا لمجرد الذم فيكون خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو الذي جمع مالا، أو مفعولا به لفعل محذوف، والتقدير: أذم الذي جمع مالا، وسيأتي مبحث النعت المقطوع في آخر هذا الباب.
(٣) الآيات ١، ٢، ٣ من سورة غافر، وادعاء الشيخ أن في هذه الآية وصف المعرفة وهي لفظ الجلالة بالنكرة وهي قوله {غافِرِ الذَّنْبِ} بناء على أن إضافة الوصف إلى معموله لفظية - غير مسلم، لأن الكلام ليس على هذا الإطلاق في كل وصف تكون إضافته إلى معموله لفظية، بل ذلك خاص بما لم يرد به الاستمرار في جميع الأزمنة، فإن أريد به ذلك كانت هذه الإضافة معنوية، ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.}