شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[التوكيد لفظي ومعنوي، والكلام على اللفظي]

صفحة 324 - الجزء 1

  وتقدير البيت: فأين تذهب إلى أين النجاة ببغلتي؟ فحذف الفعل العامل في أين الأول، وكرّر الفعل والمفعول في قوله: «أتاك أتاك» و «اللاحقون»: فاعل بأتاك الأوّل، ولا فاعل للثاني؛ لأنه إنما ذكر للتأكيد، لا ليسند إلى شيء، وقيل: إنه فاعل بهما معا، وذلك لأنهما لما اتحدا لفظا ومعنى نزّلا منزلة الكلمة الواحدة، وقيل: إنما تنازعا قوله:

  «اللاحقون»، ولو كان كذلك لزم أن يضمر في أحدهما؛ فكان يقول: أتوك أتاك، على إعمال الأول، وقوله: «احبس احبس» تكرير للجملة؛ لأن الضمير المستتر في الفعل في قوة الملفوظ به؛ أو حرفا، كقوله:

  ١٣٦ - لا لا أبوح بحبّ بثنة؛ إنّها ... أخذت عليّ مواثقا وعهودا

  وليس من تأكيد الاسم قوله تعالى: {كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ٢١ وَجاءَ رَبُّكَ


= بعده بتقدير فإلى أين، لم تكن قد أبعدت، لكن الوجه الأول أقيس؛ لأن عمل الجار محذوفا ضعيف «إلى أين» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «النجاة» مبتدأ مؤخر «ببغلتي» الجار والمجرور متعلق بالنجاة، وبغلة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «أتاك» أتى: فعل ماض، والكاف ضمير المخاطبة مفعول به «أتاك» تأكيد للسابق «اللاحقون» فاعل لأتى الأول «احبس» فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «احبس» فعل أمر فيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت هو فاعله، وهذه الجملة تأكيد للجملة السابقة.

الشاهد فيه: قوله «أتاك أتاك اللاحقون» وقوله «احبس احبس» فإن في كل من العبارتين تأكيدا لفظيا؛ فأما الأولى فإن «أتاك» الثانية ذكرت تأكيدا للأولى ولا فاعل للثانية، ومن النحاة من زعم أن قوله «اللاحقون» تنازعه كل من العاملين، وهذا غير صحيح؛ لأن باب التنازع يقتضي أن يعمل أحد العاملين في المعمول المذكور، وأن يضمر في المهمل المعمول؛ فكان يقال على إعمال الأول «أتاك أتوك اللاحقون» وعلى إعمال الثاني «أتوك أتاك اللاحقون» فلما لم يقل أحد هذين التعبيرين تبين أنه لم يجر على سنن التنازع، ولا يذهب عنك أن هذا التقرير جار على المختار عند البصريين، وأما الثانية فإن قوله «احبس» الثاني فعل أمر فيه ضمير واجب الاستتار، وهو مع ضميره تأكيد للفعل الأول مع ضميره؛ فهو تأكيد جملة بجملة تأكيدا لفظيا.

١٣٦ - هذا البيت ينسب إلى جميل بن عبد اللّه بن معمر العذري، وإنما الصواب أنه لكثير عزة، وذكر بثنة فيه سهو، وقد ذكره المؤلف في أوضحه (رقم ٤٠٤).

اللغة: «أبوح» مضارع باح بما في نفسه، إذا أظهره للناس «مواثقا» جمع موثق، وفي التنزيل من الآية ٦٦ من سورة يوسف: {حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ}، والموثق: العهد الذي توثق به كلامك وتؤكد به التزامك «وعهودا» جمع عهد، وهو بمعنى الموثق والميثاق. =