شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[التوكيد لفظي ومعنوي، والكلام على اللفظي]

صفحة 323 - الجزء 1

  ١٣٤ - أخاك أخاك، إنّ من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح

  وانتصاب «أخاك» الأول: بإضمار أحفظ أو الزم أو نحوهما، والثاني: تأكيد له؛ أو فعلا، كقوله:

  ١٣٥ - فأين إلى أين النّجاة ببغلتي ... أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس


١٣٤ - هذا البيت من شواهد سيبويه (ج ١ ص ١٢٩) وقد نسبه الأعلم إلى إبراهيم بن هرمة القرشي، وليس كما ذكر، بل هو من كلمة لمسكين الدارمي، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٤٥٩) وفي شذور الذهب (رقم ١٠٦).

اللغة: «الهيجا» بالقصر ههنا - الحرب، ونظيره - في قصر هذا اللفظ - قول لبيد:

... يا ربّ هيجا هي خير من دعه ...

وتمد أيضا، ومن ذلك قول الشاعر:

إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا ... فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد

المعنى: يحض على الاعتصام بالأخ والتمسك بوداده؛ لأنه الناصر في وقت الشدة.

الإعراب: «أخاك» أخا: مفعول به لفعل محذوف وجوبا، تقديره الزم أخاك، مثلا، وهو منصوب بالألف نيابة عن الفتحة: لأنه من الأسماء الستة، وأخا مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه، مبني على الفتح في محل جر «أخاك» تأكيد للأول «إن» حرف توكيد ونصب «من» اسم الموصول اسم إن، مبني على السكون في محل نصب «لا» نافية للجنس «أخا» اسم لا. وفي هذا التعبير كلام طويل لا تتسع له هذه العجالة، فانظر فيه بحثا مستفيضا في شرحنا على شرح أبي الحسن الأشموني، «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا والجملة من لا واسمها وخبرها لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «كساع» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر إن «إلى الهيجا، بغير» جاران ومجروران يتعلقان بساع، وغير مضاف، و «سلاح» مضاف إليه.

الشاهد فيه: قوله «أخاك أخاك» فإن هذا توكيد لفظي، ذكر اللفظ الثاني فيه تقوية للأول، ونصب اللفظ الأول من باب الإغراء، وهو: تنبيه المخاطب على أمر محمود ليفعله، ألا ترى أن المتكلم يغري بهذه العبارة المخاطب بأن يلزم أخاه، ولا يقطع حبل مودته، وحذف العامل في الاسم الأول في مثل هذه العبارة واجب لا يجوز ذكره، بسبب أنه كرر الاسم وذكره مرتين، فكان اللفظ الثاني عوضا عن ذكر العامل، وهم لا يجمعون في كلامهم بين العوض والمعوض عنه.

١٣٥ - هذا البيت يكثر استشهاد النحاة به، ولم ينسبه واحد منهم إلى قائل معين، وممن أنشده ابن عقيل (رقم ٢٩١) والمؤلف في باب التنازع من أوضحه (رقم ٢٤٠).

الإعراب: «أين» اسم استفهام، ظرف مكان متعلق بمحذوف يدل عليه السياق، مبني على الفتح في محل نصب، والتقدير: فأين تذهب، كما ذكره المؤلف، ولو جعلته معمولا لحرف جر يدل عليه ما =