[الكلام على المعنوي: ألفاظه، ومواقعها]
  مجيء ذاته، ويحتمل مجيء خبره أو كتابه، فإذا قلت: «نفسه» ارتفع الاحتمال الثاني(١)، ولا بدّ من اتصالهما بضمير عائد على المؤكّد، ولك أن توكّد بكل منهما وحده، وأن تجمع بينهما بشرط أن تبدأ بالنفس، تقول: «جاء زيد نفسه عينه» ويمتنع «جاء زيد عينه نفسه».
  ويجب إفراد النفس والعين مع الفرد، وجمعهما على وزن أفعل مع التثنية والجمع، تقول: «جاء الزّيدان أنفسهما أعينهما»، و «الزّيدون أنفسهم أعينهم»، و «الهندات أنفسهنّ أعينهنّ».
  * * * ومنها: «كلّ» لرفع احتمال إرادة الخصوص بلفظ العموم، تقول: «جاء القوم» فيحتمل مجيء جميعهم، ويحتمل مجيء بعضهم، وأنّك عبّرت بالكل(٢) عن البعض؛ فإذا قلت: «كلهم» رفعت هذا الاحتمال(٣).
  وإنما يؤكد بها بشروط:
(١) الحق أنك إذا قلت: «جاء الأمير» احتمل أن يكون الجائي هو الأمير وأن يكون الجائي تابعا للأمير أو خبرا منه أو نحو ذلك، وأنك إذا قلت «جاء الأمير نفسه» بقي الاحتمالان، لكن الاحتمال الثاني - وهو كون الجائي تابعه أو خبره - قد ضعف، والدليل على أن الاحتمال الثاني لم يزل أنه لك أن تأتي بتوكيد آخر فتقول «جاء الأمير نفسه عينه» ولو كان الاحتمال الثاني قد زال بلفظ التوكيد الأول لما كنت في حاجة إلى لفظ التأكيد الثاني.
فإن قلت: فإذا كان الاحتمال لم يزل بلفظ التوكيد الأول فما الذي أفاده إذن زيادة على ما أفاده قولك «جاء الأمير» بدون توكيد؟
فالجواب عن هذا أن نقول لك: إن قولك «جاء الأمير» بغير توكيد يحتمل عدة وجوه، منها، أن تكون قد سهوت فأسندت الفعل إلى الأمير، ومنها: أن يكون الجائي هو تابع الأمير أو خبره، ومنها: أن يكون الجائي هو الأمير، فإذا قلت «جاء الأمير نفسه» جاز أن يكون الذي زال هو احتمال السهو، وبقي احتمالان أنت في حاجة إلى نفي أحدهما بتأكيد آخر.
وتختص النفس والعين بجواز جرهما بباء زائدة كقول الشاعر:
هذا لعمركم الصّغار بعينه ... لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب
(٢) سيأتي للمصنف عند الكلام على أقسام البدل أن يذكر أن لفظ «كل» ولفظ «بعض» لا تدخل عليهما أل.
(٣) يقال هنا مثل الكلام الذي قلناه في التوكيد بالنفس، والدليل على أن الاحتمال الثاني لم يزل بتة وإنما ضعف أنه قد ورد في أفصح الكلام التوكيد بعد كل بلفظ آخر نحو قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.}