شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[أوجه الفرق بين التوكيد والنعت]

صفحة 329 - الجزء 1

  وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى}⁣(⁣١)، وكقول الشاعر:

  ١٣٧ - إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم

  والثاني كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}⁣(⁣٢) الآية.

  الثانية: أن النعت كما يتبع المعرفة كذلك يتبع النكرة.

  وذكرت أن ألفاظ التوكيد مخالفة للنعوت في الأمرين جميعا، وذلك أنها لا تتعاطف إذا اجتمعت، لا يقال: «جاء زيد نفسه وعينه» ولا «جاء القوم كلّهم وأجمعون» وعلّة ذلك أنها بمعنى واحد، والشيء لا يعطف على نفسه، بخلاف النعوت، فإن معانيها متخالفة.

  وكذلك⁣(⁣٣) لا يجوز في ألفاظ التوكيد أن تتبع نكرة، لا يقال: «جاء رجل نفسه» لأن


(١) الآيات ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ من سورة الأعلى.

١٣٧ - هذا بيت مشهور، لكنني لم أقف له مع ذلك على نسبة إلى قائل معين، وقد أنشده الزمخشري في الكشاف عند تفسير قوله تعالى من الآية ٤ من سورة البقرة: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} ولم ينسبه، ولا نسبه العلامة السيد في الحاشية، ولا نسبه شراح شواهده.

اللغة: «القرم» - بفتح القاف وسكون الراء - هو في الأصل الجمل المكرم الذي أعد للضراب، ثم أطلق على الرجل العظيم «ليث الكتيبة» أي: الشجاع الفاتك، وأصل الليث: الأسد، وأصل الكتيبة:

الفرقة من الجيش «المزدحم» أصله مكان الازدحام، وأراد به هنا موطن الحرب.

الإعراب: «إلى الملك» جار ومجرور متعلق بأهدي، مثلا «القرم» صفة للملك «وابن» معطوف على القرم، وابن مضاف و «الهمام» مضاف إليه «وليث» معطوف على القرم أيضا، وليث مضاف و «الكتيبة» مضاف إليه «في المزدحم» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ليث الكتيبة.

الشاهد فيه: عطف الصفات بعضها على بعض لما كان الموصوف بها واحدا ومثله قول ابن زيابة:

يا لهف زيّابة للحارث ال ... صابح فالغانم فالآيب

غير أن عطف الصفات في هذا البيت بالفاء التي تدلّ على الترتيب والتعقيب، وذلك بسبب أن نفس هذه الصفات لا تحصل إلا مترتبة متعاقبة؛ إذ المراد أنه يصبح القوم بالحروب، فيغنم أموالهم، فيؤوب إلى أهله سالما ظافرا.

(٢) الآيات ١٠ و ١١ و ١٢ من سورة نون.

(٣) قد ذكر الشيخ شيئين مما يخالف فيه التوكيد النعت، وعلل لكل واحد منهما، وبقي عليه ثالث، وهو أنه إذا تكررت ألفاظ التوكيد وجب في جميعها الاتباع للمؤكد، ولا يجوز فيها كلها القطع، كما لا يجوز اتباع بعضها وقطع بعضها الآخر، بخلاف النعت، فإنه يجوز فيه القطع على ما تقدم بيانه، والفرق بين النعت والتوكيد يراد =