شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[عطف النسق]

صفحة 336 - الجزء 1

  وقد مضى تفسير العطف؛ فأما النّسق فهو «التابع، المتوسّط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف الآتي ذكرها» ولم أحدّه بحدّ لوضوحه، على أنني فسّرته بقولي: «بالواو -


= إلا نكرة، وكأن يكون المعطوف معرفة أيضا في حين أن المعطوف عليه مجرور بمن الزائدة نحو قولك «ما في الدار من امرأة ولا زيد» لأن من الزائدة لا تجر إلا النكرات.

النوع الثاني: أن يتبع محل المعطوف عليه، ويشترط لصحة العطف على المحل ثلاثة شروط: أولها أن يكون ذلك المحل مما يظهر في فصيح الكلام، وثانيها أن يكون استحقاق المعطوف عليه لذلك المحل بحق الأصالة، وثالثها أن يكون الطالب لذلك المحل باقيا في فصيح الكلام؛ فلا يجوز أن تقول «مررت بزيد وبكرا» فإنك تعلم أن محل الجار والمجرور نصب لأنه في معنى المفعول به، لكن لما كان لا يجوز لك أن تقول في الفصيح «مررت زيدا» لم يجز لك أن تنصب المعطوف في هذا المثال ونحوه لأن ذلك المحل لا يظهر في فصيح الكلام، ومثال ما لم يكن استحقاق المعطوف عليه للمحل بحسب الأصالة كل وصف مستكمل لشروط العمل لو نصبت مفعوله ثم عطفت على هذا المعمول لم يجز لك أن تجر المعطوف على محل ذلك المعمول المنصوب على فرض أنه مجرور بالإضافة، فلا تقول «زيد ضارب عمرا وأخيه» لأن استحقاق معمول الوصف الجر ليس بالأصالة، بل الأصل أن يكون منصوبا، والجر بالإضافة لقصد التخفيف، وقد تقدم لنا هذه المسألة، ومثال انتفاء وجود الطالب لذلك المحل العطف على اسم إن المنصوب بالرفع، باعتبار أن محله رفع على الابتداء، لا يجوز فيه العطف بالرفع على الصحيح؛ لأن طالب الرفع هو الابتداء قد زال، فلا تقول على الصحيح «إن زيدا وخالد في الدار».

النوع الثالث: العطف على التوهم، ويشترط لهذا النوع صحة دخول العاطف المتوهم على المعمول، وإذا كان دخول العاطف المتوهم على المعمول كثيرا فإن العطف على التوهم حينئذ يكون حسنا، ولهذا النوع باب يكثر فيه وهو خبر ليس، ونضرب لك الأمثلة المنوعة لهذا الباب، ونبين لك في كل مثال منها ما يجوز فيه من وجوه الإعراب ونوع كل وجه.

المثال الأول: أن تقول «ليس زيد قائما» يجوز أن تعطف على خبر ليس هذا بالنصب، فتقول: «ولا قاعدا» وهذا العطف حينئذ من باب العطف على لفظ المعطوف عليه، ويجوز لك العطف على خبر ليس المنصوب بالجر، فتقول «ليس زيد قائما ولا قاعد» وعليه جاء قول الشاعر، وينسب إلى زهير بن أبي سلمى، المزني:

بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جاثيا

عطف قوله «ولا سابق» بالجر على قوله «مدرك» المنصوب، ويسمى هذا العطف على التوهم، لأنه توهم أن الباء قد دخلت في خبر ليس لكثرة وقوعها فيه، ومن أجل هذا التوهم جر المعطوف.

المثال الثاني: أن تقول «ليس زيد بقائم» يجوز لك أن تعطف على خبر ليس المجرور بالباء الزائدة بالجر، فتقول «ليس زيد بقائم ولا قاعد» ويكون هذا عطفا على لفظ المعطوف عليه، ويجوز لك أن تعطف على خبر ليس المجرور بالباء الزائدة بالنصب، فتقول «ليس زيد بقائم ولا قاعدا» وعليه جاء قول الشاعر:

معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا

عطف قوله «الحديدا» بالنصب على خبر ليس المجرور في قوله «لسنا بالجبال» وهذا عطف على المحل، وهو مستكمل لشروط جواز العطف على المحل؛ فنصب خبر ليس يظهر في الكلام الفصيح بل هو الأصل، واستحقاق ليس لنصب خبرها بحسب أصلها في العمل، وطالب النصب موجود في الكلام وهو ليس.

وقد أطلت عليك في هذا الموضوع، فاكتف بهذا، واحرص عليه، واللّه ينفعك به.